[حمزة أسد الله ورسوله وعم النبي صلى الله عليه وسلم]
إذاً: كل ما مضى كنا نتحدث فيه عن اثنين من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم اللذين كفرا به، ثم بقي اثنان آمنا به وهما: حمزة والعباس، وحمزة أول إسلاماً وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وحمزة رضي الله عنه وأرضاه أسلم قبل الهجرة ثم هاجر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:(أن حمزة أسد الله وأسد رسوله)، وقال عليه الصلاة والسلام:(سيد الشهداء حمزة)، وهو رضي الله عنه وأرضاه كان له اليد الأولى في انتصار المسلمين يوم بدر، وأكثر أهل الإشراك من القرشيين ماتوا أو قتلوا يوم بدر على يديه، فتغيضوا منه فعمدوا إلى رجل لا ناقة له ولا جمل في أمر قريش وأهل الإسلام: وهو وحشي فأعطوه حريته، وكان عبداً رقيقاً وأهدوه حريته مقابل أن يقتل حمزة فقبل، فاتخذ حربة له وتربص له في أحد ولم يكن له شأن بأمر الناس وما زال يتربص ميمنة ميسرة وحتى رأى حمزة فوجه إليه حربته فوقعت منه في مقتل فقتل رضي الله عنه وأرضاه يوم أحد، وقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة حزناً شديداً، ومن دلائل عظيم حزنه على حمزة: أن وحشياً هذا أسلم متأخراً ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فسأله النبي عليه الصلاة والسلام: كيف قتلت حمزة؟ فأخذ يسرد القصة والنبي صلى الله عليه وسلم تذرف عيناه ثم قال له:(غرب وجهك عني)، وهذه جبلة بشرية، فلا يستطيع عليه الصلاة والسلام أن يرى قاتل حمزة، ثم قدر لـ حمزة أن يقتل بنفس الحربة مسيلمة الكذاب، ومن غريب الأخبار الصحيحة الثابتة -وكلمة غريب هنا لا تنافي الصحة- ما جاء في الصحيح: أن علياً رضي الله تعالى عنه بعد موقعة بدر عندما خطب فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع شيئاً لزواجها فكانت له ناقتان سمينتان مسنتان نالهما يوم بدر فوضعهما بجوار دار أحد الأنصار، وخرج ينظر إلى أقتاب وغرائر يضعها على النياق حتى يسافر بها ليجمع مالاً كافياً للزواج وتجهيز البيت، وفي تلك الأثناء التي كان فيها علي فرحاً بهاتين الناقتين وهو يجمع ما يحتاجه في سفره قدر لـ حمزة أن يدخل دار أحد من الأنصار يوم أن كان الخمر مباحاً فشرب حتى سكر، فغنت امرأة من اللواتي كن حاضرات: ألا يا حمزة! للشرف النواء.
و (شرف النواء) يعني: النياق الموجودة خارج الدار، فقام حمزة فبقرها، وجب خواصيرها، وأخرج أكبادها، وشوى لقومه وشرب، فجاء علي رضي الله عنه فإذا بالناقتين قد بقرتا وجبت أفئدتهما فبكى، وهو علي الذي له ما له في ساحات المعارك والوقوف أمام الشجعان، ذرفت عيناه عندما رأى الناقتين اللتين كان يعول عليهما كثيراً قد جبتا وبقرتا وخرجت أكبادهما، فذهب للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فخرج عليه الصلاة والسلام ومعه علي وزيد بن حارثة مولاه ودخل الدار التي فيها حمزة وما زال على حاله، وكان حمزة آنذاك قد بلغت به الخمر مبلغاً عظيماً، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يعاتب حمزة على فعله، فأخذ حمزة ينظر في قدمي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يصعد النظر في ركبتيه، ثم في وجهه عليه الصلاة والسلام، ثم قال حمزة: وهل أنتم -يشير إلى النبي وعلي وزيد - إلا عبيد لأبي؛ فلما قال ذلك فقه النبي صلى الله عليه وسلم أن حمزة مخمور لا يدري ما يقول، فرجع خطوات إلى الخلف وهو ينظر إلى حمزة تحسباً من أن يحصل من حمزة شيء لم يكن متوقعاً، وهذا كله لا عتاب على حمزة فيه؛ لأن الخمر آنذاك كانت مباحة، والعبرة بتحريم الله جل وعلا، والدليل على ذلك: أن حمزة رضي الله تعالى عنه بعد ذلك رزق الشهادة في سبيل الله، والنبي صلى الله عليه وسلم توجه بقولة:(سيد الشهداء حمزة)، فنحن لا نقول: إنه ضعيف إيمان معاذ الله فـ حمزة سيد آل البيت، لكن هنا نتكلم عن خبر صحيح، وعن أحداث وقعت ونقلت إلينا، والذي نقلها لنا الحسين رضي الله تعالى عنه عن أبيه علي بن أبي طالب، وكانت بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
موضع الشاهد: أن حمزة رضي الله عنه وقع منه هذا الأمر بلا تثريب منه؛ لأنه كان مخموراً ثم قدر له أن يموت شهيداً في أحد.