يكاد يجمع أهل الصناعة النحوية على أن سيبويه رحمة الله تعالى عليه هو إمام النحاة، وإن كان هذا الأمر ليس فصل خطاب، إنما شهد النحو علماء كثير.
سيبويه لقب ومعناه: رائحة التفاح، ويقال: إن أمه كانت ترققه كما ترقق كل أم ولدها بهذا اللقب، واسمه: أبو بشر عمر بن عثمان بن قنبر فارسي الأصل، مات في ريعان شبابه كما سيأتي.
هذا العلم في علم النحو طلب -أول حياته- علم الحديث وجلس عند حماد، فلما جلس عنده كأن حماداً طلب منه أن يقرأ حديثاً، فقال سيبويه وهو يقرأ:(كل أصحابي ليس أبو الدرداء) فقالها سيبويه بالرفع ظناً منه أن (أبو) اسم للفعل ليس، فخطأه حماد وقال له: أخطأت يا سيبويه، إنما هو استثناء، أي: أن المعنى ليس أبا الدرداء، أي: إلا أبا الدرداء، فقال: لأطلبن علماً لا ينازعني فيه أحد، فتوجه إلى الأكابر في زمانه ممن يؤخذ عنهم النحو، ولحق بـ الخليل بن أحمد ويونس، وغيرهما، وأخذ عنهم العلم.
والخليل بن أحمد أحد أئمة النحو الكبار الذين آتاهم الله جل وعلا العلم والحكمة، والنظر في دقائق المسائل.
وقد أورثها الله جل وعلا من الخليل إلى سيبويه، فأخذ سيبويه عن الخليل بن أحمد وكان ذلك كله في البصرة، وفي البصرة أسس سيبويه علم النحو حقاً، وكتب كتاباً في النحو لكنه لم يخرجه للناس، ثم إنه أصابه ما أصاب أهل زمانه من الاستشراف في الخروج إلى بغداد، وكانت بغداد آنذاك حاضرة العباسيين وعاصمة دولتهم، ويؤمها العلماء والأدباء والمحدثون، وينالون من عطاء الأمراء والخلفاء، ويكون الإنسان فيها ذائع الصيت.