[تفسير قوله تعالى:(أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر)]
ثم إن الله تبارك وتعالى ذكر أنهم وصفوا نبيهم الكريم الذي أرسل إليهم وكانوا يعرفون خصاله وأخلاقه وقالوا فيه:{قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا}[هود:٦٢]، وصفوه بقولهم:{بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}[القمر:٢٥] و (بَلْ) للإضراب وللانتقاص، و (كَذَّابٌ) صيغة مبالغة من (كذب)، والعرب تأتي بصيغة المبالغة لمن يكثر منه الفعل، فيأتون بصيغة معينة يفهم من خلال عرض كلامهم أن هذه الصيغة تحمل الكثرة والترداد، فهذا معنى قولهم:(بَلْ هُوَ كَذَّابٌ)، وهذا ظاهر ولا يحتاج إلى مزيد بيان.
والذي يحتاج إلى مزيد بيان هو إخبار الله جل وعلا عن هؤلاء الكفرة بأنهم وصفوا نبيهم بأنه كذاب أشر، فما الذي أفادته عبارة (أَشِرْ) في هذا السياق؟ إن الإنسان أحياناً يكذب بصرف النظر عن كونه له دليل أو ليس له دليل، ولكن الغالب فيمن يكذب أنه يكذب ليدفع عن نفسه الضرر، ومثال ذلك: رجل رأيته في مكان ذي حرمة، فعندما هتك تلك الحرمة ووصل إليها واجهته وسألته: لم أنت هنا؟ فاضطر إلى أن يذكر عذراً حتى يخرج من ذلك المأزق الذي أوقعته فيه، فيصبح كذبه هنا لسبب، وهو دفع الضرر عن نفسه، وإن كان هو قد وقع في الضرر بنفسه وسعى إليه بقدميه، فهذا يسمى كذاباً ولا زيادة عليها.
ولكن إذا كان الإنسان لا يحتاج إلى الكذب، وإنما يريد بالكذب أن يرتقي ويزداد مقاماً ورفعة أو ليحصل على أشياء لا حاجة له إليها في الأصل، لا ليدفع ضرراً قائماً؛ فإنه يسمى (أَشِراً)، فهذا معنى قولهم:(كذاب أشر)، أي: أنهم قالوا: إنك -أيها المتنبئ الذي يزعم النبوة ويدعيها- مكرم بيننا ومرجو، ولك الجاه والحظ الأكبر بيننا، فلا حاجة لك إلى أن تكذب لتدعي النبوة.
وهذا من منطلق زعمهم وظنهم الفاسد أن صالحاً عليه الصلاة والسلام أراد بذلك الكذب ليصل إلى مقام أرفع بينهم، فهذا معنى قول الله جل وعلا:{بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}[القمر:٢٥].