وقد ثبت أن جبريل عليه السلام أول من يسمع وحي الله، وفي هذا الخبر ما يضفي على قلب المؤمن خشوعاً وإذعاناً لعظمة ربه وجلاله، قال صلى الله عليه وسلم كما عند ابن جرير بسند صحيح من حديث النواس بن سمعان:(إن الله إذا أراد أن يتكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة شديدة، فإذا سمع بذلك أهل السماوات صعقوا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيوحي الله جل وعلا إليه ما شاء، ثم يمضي جبريل بذلك الأمر على كل سماء، كلما مر على سماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول: قال الحق وهو العلي الكبير)، قال الله جل وعلا تصديقاً لهذا الخبر في سورة سبأ:{وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:٢٣].
وذكر المفسرون في سبب نزول قول الله جل وعلا:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ}[البقرة:٩٧] أن طائفة من اليهود بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدموا إليه، فقالوا:(يا أبا القاسم! إنا سائلوك عن مسائل لا يعلمهن إلا نبي، فسألوه فأجابهم، فقالوا: بقيت واحدة إن وافقتنا فيها اتبعناك وإلا فارقناك، فأخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم العهد والمواثيق على أن يتابعوه، فقالوا: من وليك من الملائكة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: جبريل، قالوا: هذا الذي ينزل بالحرب والقتال؟ لو كان وليك من الملائكة ميكال الذي ينزل بالرحمة والقطر لاتبعناك، فأنزل الله جل وعلا رداً عليهم:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة:٩٧ - ٩٨]).