الحمد لله حمداً طيباً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا لقاء متجدد من برنامجكم: لطائف المعارف، وسبق التنويه في أكثر من لقاء أن هذا البرنامج برنامج موسوعي لا يختص بشخصية معينة، ولا فم بعينه، وإنما يطرق جوانب عديدة تاريخية وإيمانية، قصصية وإخبارية، وأعلاماً مكانية وزمنية، وأعلاماً على أشخاص، هذا المقصود من لطائف المعارف.
لقاء اليوم يحمل عنوان:(اثبت أحد)، وهذا لفظ نبوي، أي: أن القائل: هو نبينا صلى الله عليه وسلم.
بداية نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم في الغيب الذي أخبر عنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: غيب أخبر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم مما قد سلف في غالب الأزمان، كإخباره بما قص الله عليه من نبأ يوسف وإخوته، وأهل الكهف، وقوم نوح، وعاد، وغيرهم، وخبر يخبر عنه صلى الله عليه وسلم مما وقع في حياته؛ كإخباره صلى الله عليه وسلم عن صرعى بدر، وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أمور تقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وهذا يندرج تحت الحديث الذي بين أيدينا.
قال عليه الصلاة والسلام:(اثبت أحد) وهو عنوان حلقتنا.
فأحد جبل سمي بذلك لتفرده عن الجبال، يقع في شمال المدينة المنورة، وهو جبل مبارك قال فيه صلى الله عليه وسلم:(أحد جبل يحبنا ونحبه)، هذا الجبل صعده النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان الخلفاء الراشدون بعده، فلما صعدوا إلى الجبل رجف بهم،
السؤال
لم رجف الجبل؟ قال العلماء في تعليل ذلك: إن الجبل رجف فرحاً بمن رقاه من الشرفاء، ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق، وأصحابه أشرف الناس بعد الأنبياء والمرسلين، فالجبل فرح فسكنه النبي صلى الله عليه وسلم بقدمه وقال:(اثبت أحد)، ثم قال صلوات الله وسلامه عليه:(فإنما عليك نبي -يعني: نفسه عليه الصلاة والسلام- وصديق -يقصد: أبا بكر - وشهيدان) وهذا من الغيب؛ لأن عمر وعثمان آنذاك لم يقتلا، وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم أنهما شهيدان دلالة على أنهما سيموتان شهيدين وقد وقع بعد ذلك كما سيأتي.
وهذا الحديث النبوي فيه دلالات مستفيضة يمكن طرقها من عدة جوانب منها: أن الله جل وعلا ألهم بعض الجمادات حب نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس جبل أحد بأولها ولا بآخرها، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يخطب كثيراً متكئاً على جذع نخلة في مسجده الشريف صلوات الله وسلامه عليه، وهو موضع المنبر اليوم، ثم بعد فترة صنع له منبر له ثلاث درجات، فكان صلى الله عليه وسلم يرقى هذا المنبر المصنوع من أعواد ليخطب الناس ويكون مشرفاً من مكان عال، فأول يوم ارتقى صلى الله عليه وسلم فيه المنبر أحدث الجذع صوت حنين وشوق إلى خبر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، هذا كله والصحابة ينظرون، فنزل عليه الصلاة والسلام إلى الجذع وسكنه ثم عاد عليه الصلاة والسلام وخطب، ولهذا يقال: حن الجذع إليه صلوات الله وسلامه عليه، كما أنه صلى الله عليه وسلم سبح الحصى بين يديه، وقال في حديث آخر:(إني لأعلم حجراً في مكة كان يسلم علي قبل البعثة)، والمقصود: أنه عليه الصلاة والسلام قبل أن ينبأ -وهو عليه الصلاة والسلام نبئ (بإقرأ) وأرسل (بالمدثر) - كان يمشي في طرقات مكة فيسمع الحجر يسلم عليه: السلام عليك يا نبي الله! فيلتفت ميمنة وميسرة فلا يرى شخصاً ولا خيالاً، ثم لما نبئ وأرسل عرف أن ذلك الحجر كان قد ألهم المعرفة بأن هذا الذي يمشي هو نبي الأمة وسيد الخلق، ومن سيختم الله به النبوات، ويتم الله به الرسالات، صلوات الله وسلامه عليه.