الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شعار ودثار ولواء أهل التقوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته، فجزاه الله بأفضل ما جزى نبياً عن أمته، وبعد: فربنا تبارك وتعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وقد دل القرآن والسنة على أن أول الرسل نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}[النساء:١٦٣].
وأما الآية التي نحن بصدد التأمل فيها فهي قول الله جل وعلا:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}[القمر:٢٣].
وثمود قبيلة عربية كانت تسكن شمال جزيرة العرب، وأهل التاريخ يقسمون العرب إلى ثلاثة أقسام: عرب بائدة، وعرب عاربة، وعرب مستعربة، أما ثمود فهم ينضمون -حسب التصنيف التاريخي المتأخر- إلى العرب البائدة، والكلام عنهم هنا قبل أن يبيدوا.
وقد بعث الله فيهم نبياً ورسولاً اسمه صالح، وقد كان صالح عليه السلام وجيهاً في قومه محبوباً لديهم، كما قال الله جل وعلا عنهم:{قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا}[هود:٦٢]، أي: قبل أن تدعي النبوة.
يقول ربنا تبارك وتعالى:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}[القمر:٢٣]، وثمود قبيلة، ولذلك أنث الفعل في قوله جل وعلا:(كَذَّبَتْ) ومعلوم أن ثمود لم يأتهم إلا نذير واحد هو صالح، ولكن التكذيب برسول تكذيب بالرسل كلهم، وهذا من سياقات القرآن وأساليبه المتكررة.