الشمس كسفت في عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، ووافق يوم كسوفها وفاة إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم ولد للنبي صلى الله عليه وسلم من جارية يقال لها: مارية، مكث مسترضعاً في عوالي المدينة ثمانية عشر شهراً، فما أتم ثمانية عشر شهراً توفاه الله، فلما توفاه الله بكى النبي صلى الله عليه وسلم وقال -الحديث الشهير-: (وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون)، لكنه قال صلى الله عليه وسلم:(ولا نقول إلا ما يرضي ربنا).
فلما كسفت الشمس في ذلك اليوم قال بعض الناس:(إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم)، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم على الناس يعلمهم مسألة عقدية، وهي أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده، لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم مثل ذلك فافزعوا إلى الصلاة، ثم فزع صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة يجر رداءه، وصلى بالناس صلاة بركوعين، وسجود كالمعتاد، لكن زاد في الركوع ركوع آخر، ثم خطب في الناس يعضهم ويذكرهم بالآخرة، ويقول لهم: إنه ما من شيء توعدون به إلا وقد رأيته في مقامي هذا، وحديثه ليس هذا موضع بسط القول فيه، لكن الغاية منه أن تعلم أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، تجريان بقدر الله تبارك وتعالى، كما قال الله:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}[يس:٣٨]، وكما قال الله:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}[يس:٣٩]، ومع ذلك عبدا من دون الله، ولهذا قال الله:{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:٣٧]، ومن المعلوم أن الهدهد أنكر على قوم بلقيس أنهم يعبدون الشمس، ودعته فطرته إلى أن يستنكر ذلك منهم، وأن يخاطبهم بقوله:{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[النمل:٢٥].