للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عمرية حافظ إبراهيم]

ويظهر للأخ الكريم أنني أغفلت حافظاً، لكن لو لم يكن لـ حافظ إلا العمرية لكفاه، والعمرية قصيدة قالها حافظ في مدح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه مطلعها: حسب القوافي وحسبي حين ألقيها أني إلى ساحة الفاروق أهديها لاهم هب لي بياناً أستعين به على قضاء حقوق نام قاضيها ثم أخذ يذكر قضايا تاريخية يوظفها شعراً، فيذكر مثلاً خبراً يقول: إن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه مر على بستان لشباب من الأنصار ووجدهم يسكرون، فصعد الحائط ودخل عليهم وعاتبهم، قالوا: يا أمير المؤمنين! جئنا بواحدة وهي السكر، وجئتنا بثلاث: تسورت، وتجسست، ولم تستأذن، قال حافظ يصوغ هذا شعراً: وفتية أولعوا بالراح وانتبذوا لهم مكاناً وجدوا في تعاطيها ظهرت حائطهم لما علمت بهم والليل معتكر الأرجاء ساجيها قالوا مكانك قد جئنا بواحدة وجئتنا بثلاث لا تباليها فأت البيوت من الأبواب يا عمر فقد يزن من الحيطان آتيها ولا تجسس فهذي الآي قد نزلت بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها فعدت عنهم وقد أكبرت حجتهم لما رأيت كتاب الله يمليها وما أنفت وإن كانوا على حرج من أن يحجك بالآيات عاصيها ويذكر حافظ قضية رسول كسرى، الذي بعثه كسرى إلى عمر، والرسول هو صاحب المقولة المشهورة: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر! فقال حافظ فيها: وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً بين الرعية عطلاً وهو راعيها فهان في عينه ما كان يكبره من الأكاسر والدنيا بأيديها وقال قولة حق أصبحت مثلاً وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها وله أبيات كذلك مثل شوقي جرت مجرى الحكم من أشهرها: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق هذا البيت لـ حافظ من قصيدة ذكرها في مدح مصر، وبيان حبه لها، إذا كان شوقي قد نال حظوة فـ حافظ اجتماعياً لم يكن بتلك الصورة، لكن قُدِّر أن شوقي تأخر موته عن حافظ، وقبل ذلك بويع شوقي بإمرة الشعر، وكان حافظ سليم الصدر، بل كان أول المبايعين، وقال في قصيدة يمدح فيها أمير الشعراء: أمير القوافي قد أتيت مبايعاً وهذي وفود الشرق قد بايعت معي وقدر الله موت حافظ قبل شوقي، فرثاه شوقي، وقال قصيدة يرثي بها أخاه حافظاً: يا حافظ الفصحى وحارس مجدها وإمام من نجلت من البلغاء هنا ندم شوقي ندماً شديداً على أن حافظاً مات قبله، لماذا؟ لأن حافظ وجد من يرثيه، فكأنه صدّر شوقي لرثائه، لكن شوقي كان يعلم أنه لا أحد يعقل بعده له صدى في الشعر يمكن أن يرثي شوقي إذا مات، فكان يتمنى لو أنه مات قبل حافظ حتى يرثيه، لكن هذا قدر الله هذا ما تيسر إيراده وتهيأ إعداده حول رمزين كبيرين من رموز الشعر العربي، هما أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>