وهذه الجبال جاء ذكر بعض منها في القرآن، أي: أن هناك جبالاً صرح الله باسمها في القرآن، ومن أشهرها جبلان: جبل الطور، وجبل الجودي.
أما جبل الطور: فإنه يقع في أرض مباركة، هي شبه جزيرة سيناء، وفي شبه جزيرة سيناء واد يقال له: وادي طوى، نعته الله بأنه واد مقدس، وفي ذلك الوادي الذي هو قطعة من شبه جزيرة سيناء يقع جبل يقال له: الطور.
والطور في اللغة: كل جبل نبت فيه الشجر، لكن الطور إذا أطلق ينصرف إلى ذلك الجبل المبارك، الذي كلم الله جل وعلا عنده نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن موسى أحد أعظم أنبياء بني إسرائيل، وقد سمى الله جل وعلا سورة مكية في القرآن باسم ذلك الجبل، قال الله جل وعلا:{وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}[الطور:١ - ٢]، وينصرف الألف واللام في قول الله جل وعلا:{وَالطُّورِ}[الطور:١] إلى المعهود الذهني، وهو ذلك الجبل الذي كلم الله جل وعلا عنده موسى عليه الصلاة والسلام.
الجبل الآخر المذكور في القرآن: جبل الجودي، وهو قطعاً الذي رست عنده السفينة التي كانت تحمل نبي الله نوحاً عليه الصلاة والسلام.
لكن الخلاف في تحديده، فقد قال الله جل وعلا:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}[هود:٤٤]، فما الذي استوت على الجودي؟ السفينة، لكن أين الجودي؟ يقول بعض العلماء: إنه في تركيا، ويقول بعض العلماء: إنه في العراق، وأكثر أهل الصناعة التفسيرية يقولون: إنه في العراق.
لكن أصحاب الصناعة التاريخية الذين في زماننا، لديهم بعض النظر الذي نجم عن المعرفة الجغرافية، فقد وقعت هناك آثار، وقع الناس عليها وهي آثار لتلك السفينة، ولذلك يذهبون إلى أن جبل الجودي في تركيا؛ لمكان المعرفة بهذه الآثار.
بعض أهل الصناعة اللغوية تغيب عنهم أمور لا ينبغي أن تغيب على أمثالهم، لكن الله جل وعلا ينبئنا ضعفنا.
الصهاينة مثلاً وكذا بعض أهل التفسير يقولون: إن الجودي كلمة عربية مأخوذة من الجود وهو العطاء وكثرة النوم؛ لأنه معلوم أن نوحاً عليه الصلاة والسلام لم يكن في زمنه أحد يتكلم العربية، والله جل وعلا يخبر عن أن السفينة استقرت ورست في زمن نوح، ولم يكن يعرب -الذي تكلم العربية والذي ينسب إليه العرب- قد ولد بعد، فإن الله جل وعلا قال في حق نوح:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}[الصافات:٧٧]، فما يعرب إلا من ذرية نوح عليه الصلاة والسلام، أو فلنقل: من ذرية الناجين من قوم نوح، فعلى هذا لا سبيل إلى القول: إن الجودي سمي بالجودي نسبة عربية، وإنما هي كلمة أعجمية غير عربية، لكن كيف غاب هذا عن الأكابر؟ هذا لا يجعلنا نشتم من جهلوا هذا، فليس هذا صنيع أهل الفضل، وإنما نعرف من ذلك ضعف العقول البشرية، ونحن وإن كنا نستدرك اليوم على غيرنا، سيأتي بعدنا من يستدرك علينا، فنحن لم نوف النقص حتى نطالب بالكمال للآخرين.
وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه، أي: أن يعلم الإنسان ضعفه وعجزه، وكيف يغيب عنك ما يراه غيرك واضحاً جلياً؟ فنقول: إن الطور والجودي جبلان ذكرهما الله جل وعلا نصاً في كتابه.