أما بعد: فإن هذا اللقاء -الذي هو ضمن لقاءات لطائف المعارف- أشبه بالسياحة الأدبية، وعنوانه: المعلقات.
والمعلقات عنوان عام أطلق على قصائد طوال في الجاهلية، قالها الشعراء آنذاك، وقبل أن نعرج أو على بعض أبياتها وعلى التعليق على تلك الأبيات فإننا نقول: إن أهل الصناعة الأدبية والذين يعنون بتاريخ الأدب يقسمونه إلى أطوار فتلك الحقبة التي كانت قبل البعثة اصطلح على تسميتها بالأدب الجاهلي أو الأدب في العصر الجاهلي، ثم يقولون: الأدب في صدر الإسلام وبني أمية، وبعضهم يفصل ما بين الأدب في صدر الإسلام والأدب في العصر الأموي.
وينتقلون بعد ذلك اتفاقاً إلى العصر العباسي الذي كان فيه العمالقة الكبار: أمثال المتنبي، وأبو تمام، والبحتري.
ثم كانت تلك الفترة التي حكم فيها المماليك والعثمانيون وغيرهما، وهذه الفترة تسمى عند أهل الصناعة الأدبية -في الغالب- بعصر الانحطاط، ثم هيأ الله جل وعلا للشعر العربي أن بعثه محمود سامي البارودي من مرقده، وما كان من البارودي وما بعده إلى عصرنا الحالي يسمى كله: بالعصر الحديث، هذا التقسيم التاريخي للأدب.
والذي يعنينا هنا أن عنوان إن المعلقات من تلك القصائد الطوال التي كانت تقولها العرب في الجاهلية أو قالها بعض شعراء العرب في الجاهلية، والحديث عنها ذو شجون لكننا سوف نتكلم عن بعضها.
هناك شعراء أعطوا قدرة على العطاء الشعري، ولهم مطولات، لكن لماذا سميت بالمعلقات؟ قيل: لأنها علقت في الصدور، وأن الناس حفظوها، وهذا قول قوي، وقيل: إنها كانت تكتب بماء الذهب وتعلق على الكعبة، وهذا عندي بعيد، وإن قال به بعض النقاد، لكن كون الأبيات تكتب بماء الذهب في ذلك الزمن الغابر الذي قل ما يوجد فيه مثل هذه الآلة يصعب الحكم على هذا بالصحة.
وقيل: لأنها كانت تعلق في الأسواق التي كانت تجتمع فيها العرب، كسوق عكاظ وسوق المجاز وغيرهما.
هذه المعلقات حفظها أكثر من رووا الشعر، ودخل بعضها شيء من اللحن، لكن الذي يعنينا أن هذه المعلقات كانت صورة ناطقة لحياة العرب التاريخية والاجتماعية وكثير مما كان عليه العرب في عادتهم وتقاليدهم وأعرافهم.