[زيد بن حارثة ابن الإسلام وحب رسول الله]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جامع الناس ليوم لا ريب فيه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
هذا أيها المباركون! لقاء متجدد من لقاءاتكم الموسومة: بلطائف المعارف، وعنوان حلقة هذا اليوم تحمل اسم صحابي جليل هو: زيد بن حارثة.
نحن ندرك جميعاً أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أمثل جيل، وأكمل رعيل؛ ذلك أنهم من الله تبارك وتعالى عليهم بنصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، كما هي دعوة خليل الله إبراهيم.
والصحابة كما نعلم جم غفير، لكن القرآن وهو مائة وأربعة عشر سورة لم يرد فيه ذكر اسم صحابي واحد باسمه الصريح، فقد جاءت آيات في مدح الصحابة عموماً مثل قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الفتح:٢٩]، لكن لم يرد في القرآن ذكر صحابي باسمه الصريح إلا زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
ولـ زيد أخبار قبل الإسلام، وأخبار بعد البعثة، وله أخبار قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مات قبل النبي عليه الصلاة والسلام، ومن هذه الأخبار: أن نعرف المكانة الجليلة لهذا الرجل رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
بداية القصة أن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها أم المؤمنين طلبت من ابن أخيها حكيم بن حزام أن يشتري لها غلاماً وهو ذاهب إلى سوق عكاظ، وقبل أن أستطرد، فـ حكيم بن حزام هذا ولد في الكعبة، حملته أمه وجاءها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت حكيماً هذا في جوف الكعبة.
موضع الشاهد: أن حكيماً اشترى زيداً لـ خديجة، ثم أهدته خديجة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وكان أعمامه وأبوه من قبل يسألون عنه حتى عرفوا أنه عند محمد بن عبد الله، وهذا كله والنبي عليه الصلاة والسلام لم يبعث بعد، لكن زيداً بنور الله الذي آتاه تفرس في أن النبي سيكون له شأن، والقصة معروفة بأنه خُيِّر فاختار النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان مشتهراً لا أحب أن أقف عنده كثيراً؛ لأن العبرة بالعظات وليست في سرد التاريخ، فالتاريخ موجود في طيات الكتب.
المقصود من هذا أن زيداً تمسك بالنبي صلى الله عليه وسلم وقدمه على أبيه وأعمامه فانصرفوا، فلما قدم زيد نبينا صلى الله عليه وسلم وموالاته على أبيه وأعمامه قال عليه الصلاة والسلام في نوادي قريش: (أشهدكم أن زيداً ابني يرثني وأرثه) من باب رد الجميل، وحينها لم يكن قد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم، فأصبح زيد يعرف بـ زيد بن محمد.
وعندما من الله على نبيه بالنبوة كان زيد من السابقين إلى الإسلام، وذهب مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ورأى تلك المعاناة التي لقيها النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف، ثم عاد معه إلى مكة وبقي باراً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءت الهجرة فانتقل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومنهم زيد إلى المدينة، وفي المدينة تغير الوضع ونزلت أحكام شرعية؛ لأن العهد المكي كان يعنى بالعقائد أكثر الأمر، وجاء العهد المدني فعني بالعقائد، ثم جاء التنظيم للمجتمع والدولة، فكان مما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:٤٠]، فذلك التاج الذي كان يعلو على مفرق رأس زيد من أنه ينادى بـ زيد بن محمد نزع منه، وأصبح يدعى باسم أبيه زيد بن حارثة، ولا يدعى بـ زيد بن محمد، ولا ريب أن هذا أحدث في قلب زيد حزناً شديداً؛ لأن كونه ينادى بـ زيد بن محمد هذا شرف وأي شرف، لكنه أمر الله وقدره وقضائه وتعليماً للأمة، قال الله جل وعلا: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب:٤٠]، وقال تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:٥]، فنزع منه هذا اللقب.