للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[نماذج من الروائع الشعرية لشوقي]

الشعر فيه نوع من المهلكة، ولهذا قال بعض النقاد: الدين بمئزر عن الشعر، وإن كان هناك خلاف حول صحة هذه المقولة أو الغاية منها.

المقصود: أن شوقي -رحمة الله تعالى عليه- له أبيات هي إلى الكفر أقرب منها للإيمان، كقوله في رثاء مصطفى كامل زعيم الحزب الوطني المصري وقد مات شاباً، وكان مصطفى كامل هذا قريباً جداً من شوقي، وصديقاً مقرباً له، إلا أنه كان مضاداً للقصر، بينما كان شوقي قد ولد في القصر، ولا يستطيع أن يتمرد على أهله، فلما مات مصطفى كامل أراد شوقي أن يعوض تلك الجفوة الشعرية، وليست في العلاقات، فعلاقته جيدة مع مصطفى كامل، فأراد أن يعوضها فلجأ إلى الغلو في الشعر فقال -وناقل الكفر ليس بكافر- في قصيدة عنوانها: المشرقان عليك ينتحبان قاصيهما في مأتم والدانِي مصر الأسيفة ريفها وصعيدها قبر أبر على عظامك حاني أقسمت أنك في التراب طهارة ملك يهاب سؤاله الملكانِ وشوقي هو القائل: رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ وأنا قدّمت بالأسوأ حتى أزدلف إليك بالأحسن، لكن شوقي له ثلاث قصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم عزَّ نظيرها وقل مثيلها، الهمزية والميمية والبائية؛ في الهمزية قال: فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا ملكت النفس قمت ببرها ولو أن ما ملكت يداك الشاء وإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمة ووفاء وإذا قضيت فلا ارتياب كأنما جاء الخصوم من السماء قضاء وإذا بنيت فخير زوج عشرة وإذا ابتنيت فدونك الأبناء أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى فالكل في دين الإله سواء لو أن إنساناً تخيَّر ملة ما اختار إلا دينك الفقراء يا أيها المسرى به شرفاً إلى ما لا تنال الشمس والجوزاء يتساءلون وأنت أطهر هيكل بالروح أم بالهيكل الإسراء بهما سموت مطهرين كلاهما روح وريحانية وبهاء وهذا من غرب الشعر، قال في الميمية -والتي أراد أن يعارض بها ميمية البوصيري المسماة نهج البردة-: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم لما رنا حدثتني النفس قائلة يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي هذا كله -أيها المبارك- مقدمات، ثم قال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم فخيرة الله في لا منك أو نعم الله قسّم بين الخلق رزقهم وأنت خُيِّرت في الأرزاق والقسم أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم لما رأوك به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم صلى وراءك منهم كل ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتمم جبت السماوات أو ما فوقهن بهم على منورة درية اللجم ركوبة لك من عز ومن شرف لا في الجياد ولا في الأينق الرسم مشيئة الخالق الباري وقدرته وقدرة الله فوق الشك والتهم وقال في البائية: سلوا قلبي غداة سلا وثاب لعل على الجمال له عتابا ويسأل في الحوادث ذو صواب فهل ترك الجمال له صوابا؟ أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا فما عرف البلاغة ذو بيان إذا لم يتخذك له كتابا مدحت المالكين فزدت قدراً فلما مدحتك اجتزت السحابا صلوات الله وسلامه عليه، وأنت أيها المنصف تدرك أن هذه الأبيات عز نظيرها، وقل مثيلها في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان مدحه عليه الصلاة والسلام شرفاً لمادحه.

وتجري ما بين الشعراء مواقف، يقولون -إن صحة الرواية-: أن شوقي وحافظ اجتمعا يتداعبان شعراً، فقال حافظ -يوري لـ شوقي -: يقولون إن الشوق لوع وحرقة فما لي أرى شوقي اليوم بارداً فـ شوقي الثانية هذه في البيت يقصد حافظ بها أحمد شوقي، وهي في البيت يفهم منها أن المقصود بها الشوق المعروف، وهو الحنين للمحبوب، فرد عليه شوقي بقوله: أودعت إنساناً وكلباً وديعة فضيعها الإنسان والكلب حافظ وكأن المعنى أن الكلب حافظ للوديعة، لكنه قصد ذم حافظ.

وشوقي -رحمة الله تعالى عليه- له لامية شهيرة: قم للمعلم وفِّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا أرأيت أعظم أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولا سبحانك اللهم خير معلم علمت بالقلم القرون الأولى أرسلت بالتوراة موسى مرشداً وابن البتول فعلم الإنجيلا وأخذ يمدح فيها المعلمين، هذه اللامية عارضها شاعر آخر يقال له إبراهيم طوقان، وهو معلم ممارس، فيقول: إن شوقي لم يفقه التعليم حتى يقول هذه الأبيات، فرد طوقان على شوقي -يذكر قضية مدح شوقي للمعلمين: شوقي يقول وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفِّه التبجيلا ثم يذكر: لو جرّب التعليم شوقي ساعة لقضى الحياة جهالة وخمولاً ثم يذكر معاناة المدرسين قائلاً: لكن أصلح غلطة نحوية مثلاً وأتخذ الكتاب دليلا مستشهداً بالغر من آياته أو بالحديث مفصلاً تفصيلا وأكاد أبعث سيبويه من البلى وذويه من أهل القرون الأولى فأرى حماراً بعد ذلك كله رفع المضاف إليه والمفعولا يا من يريد الانتحار وجدته إن المعلم لا يعيش طويلاً جرت لـ شوقي أبيات مثل الحكم من أشهر ذلك قوله: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان

<<  <  ج: ص:  >  >>