للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تطليق زيد لزينب بنت جحش وزواج النبي بها]

وقدر لـ زيد قبلها أن يتزوج زينت بنت جحش الأسدية، وزينب رضي الله عنها وأرضاها قرشية، وزيد مولى، فكانت تجد في نفسها أنفة عليه، فتحدث بينهما النزاعات، وكان الله جل وعلا قد أوحى إلى نبيه أن زيداً سيطلق زوجته زينب وأنه سيتزوجها، وهذا الوحي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر به وعرفه، ولكنه كتمه، فكان زيد إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه زوجته أمره النبي أن يصبر عليها وألا يطلقها، فأنزل الله جل وعلا قوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦]، ثم قال الله: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب:٣٧] (وَإِذْ تَقُولُ) إذ: ظرفية زمنية بما قد سلف.

(إذ تقول) أي: يا محمد! (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أي: زيد الذي أنعم الله عليه بنعمة الإسلام.

(وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) أي: بالعتق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق زيداً.

(أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ) تنصحه وترشده أن يبقي على زوجته.

(وَتُخْفِي) أي: يا محمد! (فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ) أي: ما الله مظهره، والشيء الذي سيظهره الله أنه سيطلقها وأنك ستتزوج زينب لا محالة.

(وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخفي شيئاً من القرآن لأخفى هذه الآية، لكن النبي صلى الله عليه وسلم مؤتمن على وحي الله.

(فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا) تزوجها وأصابها.

(زَوَّجْنَاكَهَا) أي: بعد انفكاكها عن زيد.

(لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا).

من هذا نفهم: أن الله جل وعلا ذكر اسم زيد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعث زيداً بعد أن طلق زينب يخطبها له، ولنا أن نتخيل كيف لرجل أن يخطب امرأته السابقة لرجل آخر؟ هذا صعب جداً على الأنفس، لكن أنفس الصحابة وفي مقدمتهم زيد كانت محبة معظمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم إليها أعطاها ظهره، هيبة لحرمة امرأة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فبعثه ليخطبها إليه، فتزوجها صلى الله عليه وسلم وكانت تفتخر على أمهات المؤمنين بأن الله جل وعلا تولى أمر زواجها واختارها لنبيه من فوق سبع سماوات رضي الله عنها وأرضاها.

هذه الأمور التي فقدها زيد: كونه كان ينادى بـ زيد بن محمد، وفقد زوجته وذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن الله عوضه عنها وهو أكرم الأكرمين جل جلاله بأن ذكر اسمه في القرآن، فأصبح اسمه من جملة قرآن يتلى ويتعبد الله جل وعلا به في المحاريب وفي صدور المؤمنين إلى يوم القيامة، فنحن نقرأ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب:٣٧]، وهو زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

فانظر كيف عوض الله جل وعلا زيداً في الدنيا، أما في الآخرة فلا ريب أن زيداً في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة، فإذا جارية شابة، قلت: لمن هذه؟ قالت: أنا لزيد بن حارثة).

وزيد بن حارثة كان أحد القادة الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم متوجهون إلى مؤتة لقتال الروم، وكان جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومن أحب الخلق إليه، وعبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنهم جميعاً وأرضاهم ممن قضوا نحبهم شهداء في تلك المعركة، أي: أن زيداً مات قبل النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>