للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حالة اتصال الروح بالجسد بعد الموت]

ثم بعد ذلك يأمر الله ملكاً -يقال له إسرافيل- أن ينفخ النفخة الأخرى -أي: الثانية- فتعود الأرواح وتخرج من مستقرها، وأين مستقرها؟ أرواح المؤمنين إجمالاً في عليين، قال ربنا: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:١٨ - ٢١]، وأخبر قبلها أن كتاب الفجار في سجين، فأرواح الكفار في سجين وأرواح المؤمنين في عليين، فتخرج الأرواح كافرة ومؤمنة من مستقرها ثم تعود إلى الأجساد، فإذا اتصلت الروح بالجسد دبت فيه الحياة، فإذا دبت في الجسد الحياة مسح أهل القبور عن أعينهم الموت، كما يمسح أهل الدنيا اليوم عن أعينهم النوم، قال الله جل وعلا -وهو أصدق القائلين-: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:٥١ - ٥٣].

الغاية من هذا: أن الناس يخرجون إلى أرض المحشر على أرض بيضاء نقية، لم يعص الله جل وعلا فيها طرفة عين، ثم يكون الحساب، يسر الله حسابي وحسابكم.

فإذا انصرف أهل الموقف فريقين -كما قال الله جل وعلا: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧]، وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار -عياذاً بالله منها- يؤتى بالموت على صورة كبش أملح، كبداية الخلود.

فهذا هو الاتصال بين الروح والجسد، والناس في الدار الآخرة سواء أهل الجنة أو أهل النار إنما هم نتاج الاتصال الكامل للروح مع الجسد: (فيؤتى بالموت على صورة كبش أملح، ثم ينادى: يا أهل الجنة!) فيطلعون فزعين؛ لأنهم ذاقوا نعيمها فيخشون أن يقال لهم: اخرجوا منها، فإذا أبصروا ونظروا قيل لهم: (أتعرفون هذا؟ قالوا: نعم هذا الموت، ثم يقال: يا أهل النار!) فيطلعون فرحين لعلهم يخرجون منها فيقال لهم: (أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، فينادي: أن يا أهل الجنة! خلود بلا موت، وأن يا أهل النار! خلود بلا موت)، فلو أن أحداً مات حسرة لمات أهل النار حسرة، ولو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة فرحاً، قال الله جل وعلا في محكم تنزيله: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٣٩ - ٤٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>