[إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى]
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يبلغ مدحته قول قائل، ولا يجزي بآلائه أحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته، فجزاه الله أفضل ما جزى به نبياً عن أمته.
أما بعد: أيها الإخوة المباركون! هذا لقاء متجدد من برنامجكم: لطائف المعارف، وعنوان حلقة هذا اليوم: أصحاب الكهف.
ونحن نعلم أن ثمة سورة عظيمة من سور القرآن الكريم: هي سورة الكهف، وهذه السورة هي السورة الوسطى التي افتتحها الله جل وعلا بحمده، فقد استفتح الله جل وعلا بحمده سورة الفاتحة والأنعام، ثم بعد سورة الكهف فتح الله جل وعلا بحمده سورتي سبأ وفاطر، لكننا سننيخ المطايا هنا عند خبر واحد من تلك السورة؛ ألا وهو: قصة أصحاب الكهف.
ونحن هنا نحاول أن نعرج على لطائف كثيرة معرفية إيمانية تاريخية اجتماعية تربوية من قول الله تبارك وتعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:١٣]، إن التفصيل بعد الإجمال أسلوب ظاهر في كلام الله جل وعلا.
فالله جل وعلا يخبر هنا جملة أن مجمل خبر أصحاب الكهف أنهم فتية أي: أنهم في سن تحمل في طياتها القوة والفتوة، ورزقوا إيماناً وزادهم الله جل وعلا هدى على الإيمان الفطري الذي كانوا قد رزقوه من قبل، فقد نشئوا في قوم كفار اجتمع أمرهم على معارضة قومهم في عبادتهم لغير الله جل وعلا.
لكن المرء في مسيرته إلى ربه تبارك وتعالى مفتقر إلى عون ربه جل وعلا على طاعته، ولهذا قال الله جل وعلا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥]، وهنا يقول ربنا: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا} [الكهف:١٤]، وهم وإن كانوا مؤمنين بالله جل وعلا حقاً إلا أنهم مفتقرون إلى رحمة ربهم، والربط على القلب أسلوب قرآني ذكره الله حتى في خبر أم موسى، يقول الله: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:١٠].
فالإنسان إذا افتقر إلى ربه جل وعلا وازدلف إليه وتضرع إليه تبارك وتعالى أن يربط على قلبه في أمور عديدة خاصة عندما يخشى الإنسان على نفسه الضعف، أو أنه يعرض لفتنة أو يعرض لمحنة أو لهلكة يكون بذلك قد ازدلف إلى الله تبارك وتعالى، يزدلف إليه بأحب أسمائه إليه وأقربها لديه جل وعلا، فيكون بعد ذلك -إذا قبل الله جل وعلا دعاءه- النفع العظيم من الرب الكريم جل جلاله.
هنا يقول الله: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:١٤]، أي: إن دعونا إلهاً غيره، ثم نظروا إلى حال قومهم فقالوا: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف:١٥].
جملة الأمر: أنهم أجمعوا أمرهم على أن يعتزلوا الناس راجين رحمة ربهم، سائلين الله جل وعلا الرشد البين والطريق الخير، فآواهم الله جل وعلا إلى فضله، وآووا إلى الغار، وفي الطريق إلى الغار مروا على راع معه كلب كما يقول جمهرة أهل التفسير فاصطحبوهم، ثم ذكر الله جل وعلا ما كان من خبرهم في ذلك الكهف، قال ربنا وهو أصدق القائلين: {وَتَرَى الشَّمْسَ} [الكهف:١٧]، أيها السامع لكلامنا! المتأمل قولنا! لو قدر لك أن ترى حال هؤلاء القوم لرأيت عجباً، قال: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} [الكهف:١٧]، أي: تميل، ومنه قول عنترة: فازور من وقع القنا بلبانه وشكا إلي بعبرة وتحمحم