للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مغايرة لما أجمع عليه المسلمون، فلا يمكن الاطمئنان إلى سلامة ترجمته للقرآن، لاحتمال أن يترجم القرآن بما يخالف معناه المأثور عن الصحابة والتابعين، وهذا الشرط ذكره العلماء في مجال شروط المفسر، والمترجم ليس هو المفسر، فالمترجم تحكمه ضوابط ومقاييس في الترجمة من حيث دقة اختياره للمفردات، وليس الأمر كذلك بالنسبة للمفسر الذي يملك حرية التفسير بما يحتمله اللفظ من معان ودلالات، ومن اليسير اكتشاف الخطأ في عمل المترجم، أو عدم الدقة في اختيار المفردات المعبرة عن معنى الأصل.

فقد يملك صاحب بدعة من أدوات الترجمة ما لا يملكه صاحب استقامة من حيث إلمامه بمعاني المفردات في كل من اللغتين، والمترجم منها والمترجم إليها، وما لم يقم دليل على قصد لتزوير المعاني القرآنية، وتحويرها عن معانيها، وإهمال في اختيار المفردات الدقيقة أو جهل باللغة العربية، فإن الترجمة تخضع لمقاييس موضوعية، ومن

اليسير ضبط تلك المقاييس، وتتبع احترامها والالتزام بها، والحكم على الترجمة حكما موضوعيا، من حيث الدقة والالتزام، فقد تقبل الترجمة في لفظة أو آية، وترفض في لفظة أو آية أخرى، ويحكم على الترجمة بحسب دقتها، فإن كثرت أخطأ المترجم، وتجاوزاته حكم عليه بالجهل وردّت ترجمته، ووجب تنبيه الناس إلى تلك التجاوزات وبخاصة إذا كانت فاحشة فاسدة المعنى.

ولسنا بحاجة إلى اشتراط إتقان المترجم لكل من اللغتين المترجم منها والمترجم إليها، فهذا شرط بدهي لا تتصور الترجمة بدونه، إذ كيف يمكن لجاهل بالعربية أن يفهم معاني القرآن، وإذا عجز عن الفهم عجز عن الإتيان باللفظة المعبرة عن المعنى باللغة الأخرى، وإذا أتقن العربية، فلا يمكنه أن يترجم إلى لغة أخرى، إلا أن يكون متقنا لتلك اللغة، ممسكا بزمام مفرداتها مالكا ناصية أمرها، والإتقان المطلوب لكل من اللغتين، ليس هو إتقان حفظ ومعرفة بالمفردات، وإنما هو إتقان فهم للدلالات اللغوية وإتقان أسلوب تتميز به كل لغة عن اللغة الأخرى، وفضلا عن ذلك فالترجمة تحتاج إلى موهبة خلاقة

<<  <   >  >>