للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كونه منفصلًا، وأما المنصوب والمجرور فلا بدَّ لهما من لفظٍ يعمل فيهما، فإذا أُضمرا اتصلا بذلك اللفظِ، فصار المرفوع مختصًّا بالانفصال، فإذا أكَّدنا المضمرَ احتجنا إلى ضمير منفصل، ولا منفصلَ إلا ضميرُ المرفوع، فاستعملناه في الثلاثة: المنصوبِ والمجرورِ والمرفوعِ، كما اشتركن جميعًا في "نا"، وكما ذكرنا من إيجاب القياس اشتراكَها كلِّها في لفظ واحد.

رجعنا إلى مسألة ضمير الفَصْل: ولو قلت: كان زيدٌ هو الفاضلَ؛ امتنع في الضمير أن يكون مبتدأً؛ لانتصاب ما بعده، وتأكيدًا؛ لظهور ما قبله، وتعيَّنت الفَصْلية.

فإن قلت: لأيِّ شيءٍ لم يُجيزوا تأكيدَ الظاهر بالمضمر؟

قلت: قال القاضي أبو سَعِيدٍ (١) رحمه الله ما ملخَّصُه: إن التأكيد في كونه يرفع عن المؤكَّد الالتباسَ يُنزَّل عندهم منزلةَ الصفات، ولهذا يسمِّيه س (٢) رحمه الله: صفةً، ومن شروط الصفة أن لا تكون أعرفَ من الموصوف، ولا شكَّ أن الضمير أعرفُ من المظهر، فاستحال أن يكون تأكيدًا له.

وإنما أجازوا إبدالَ الضمير من الظاهر؛ لأنه لا يجب في البدل والمبدلِ منه أن يتوافقا في تعريفٍ ولا تنكيرٍ، فلذلك لا يضرُّ فيهما كونُ الثاني أعرفَ من الأول، فهذا وجهٌ.

ووجهٌ ثانٍ، وهو أن الظواهر لا يليق بها لو أُكِّدت بالضمائر إلا ضمائرُ الغيبة، لا ضمائرُ التكلم والخطاب، وضمائرُ التكلم والخطاب هي الأصل والأكثرُ في الاستعمال، واستعمالُ ما يوجب إسقاطَ أصلِه وأكثرِه مطروحٌ متروكٌ.

قلت: بدليل أن الضمائر لا تنتعت (٣) بنعوت المدح والذم والترحُّم، وقد خَفِي هذان الوجهان على مَنْ قال معترضًا على النحويين: لأيِّ شيءٍ استقبَحوا تأكيدَ المظهر


(١) شرح كتاب سيبويه ٩/ ١٠٥ - ١٠٧.
(٢) الكتاب ٢/ ٣٨٦.
(٣) كذا في المخطوطة، والصواب: لا تنعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>