للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذا غايةُ ما رأيت من الاعتذار عن إعراب "أيّ" إذا قُطِعت عن الإضافة.

ع: وقفتُ بعد ذلك لأبي البَقَاءِ في "المِصْباح في شرح الإيضاح" (١) على نكتةٍ حسنةٍ في ذلك، قال في علة البناء في المضاف إلى الياء -على رأي مَنْ يقول به-: إنه خَرَج عن نظائره، بأن حقَّ المضاف إليه أن لا يُحْدِثَ شيئًا في المضاف من الحركات، وهذا أَوْجَبَ كسرَ آخرِ المضاف؛ تبعًا لطبيعته، وخروجُ الشيء عن نظائره يُلْحِقُه بالحروف؛ ألا ترى أن "قبلًا"، و"بعدًا"، و"يا زيدُ"، و"أيُّ" إذا وُصلت بجزء واحد وهي بمعنى "الذي" في نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ} (٢) بُنِيَت؟ انتهى ملخَّصًا.

قلت: فحاصلُه: أنه أُعرِب من بين سائر الموصولات؛ لأنه ملازم للإضافة لفظًا أو معنًى، وأنه يكون بمعنى "كلٍّ"، وبمعنى "بعضٍ"، على ما قرَّره النحاة، لكن شرط إعرابه أن لا يُخالِف نظائرَه في أن بعده جزءًا واحدًا؛ لأن مخالفة النظائر توجب تحويلَ ما ثَبَت للشيء، وقد ثبت له الإعراب، فلْيُبْنَ.

وقد يُعتَرض بأنه معرب إذا قُطع عن الإضافة، وحُذف الجزء الثاني، وقد يُمنَع جوازُ المسألة؛ لأن جواز حذفِ العائد في "أيّ" على ما قالوا من أنه لا يُشترط الطولُ؛ لأنها طالت بالإضافة، وذلك مُنْتَفٍ هنا (٣).

* مثالُ: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} (٤): قولُ الشاعر (٥) -أنشده سَلَمةُ (٦) -:


(١) ١١٧ - ١١٩ (ت. الحميدي).
(٢) مريم ٦٩.
(٣) الحاشية في: وجه الورقة الأولى الملحقة بين ٥/ب و ٦/أ، ثم ٥/ب، ثم ظهر الورقة الملحقة نفسها.
(٤) مريم ٦٩.
(٥) هو الفرزدق.
(٦) ينظر: الزاهر ١/ ٣٢٧. وسلمة هو ابن عاصم النحوي، أبو محمد، أحد أئمة الكوفيين، أخذ عن الفراء وخلف الأحمر، وأخذ عنه ثعلب، له: معاني القرآن، والمسلوك في العربية، وغريب الحديث، وغيرها. ينظر: نزهة الألباء ١١٧، ومعجم الأدباء ٣/ ١٣٨٥، وإنباه الرواة ٢/ ٥٦، وبغية الوعاة ١/ ٥٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>