للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبينا أنا عنده، إذْ قَدِمَ عليه ابنُ عمٍّ له من بني قُرَيْظَةَ من المدينة، فابتاعني منه، فحملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتُها فعرفتُها بصفة صاحبي، فأقمتُ بها.

وبُعِثَ رسولُ الله ، فأقام بمكةَ ما أقام، لا أسمع له بذِكْرٍ، مع ما أنا فيه من شغل الرِّقِّ، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إنّي لفي رأس عَذْقٍ لسيِّدي أعمل فيه بعض العمل، وسيّدي جالس تحتي، إذْ أقبل ابنُ عمٍّ له حتى وقف عليه، فقال: يا فلان، قاتل الله بني قَيْلَةَ (١) والله إنهم الآن لمجتمعون معنا (٢) على رجلٍ قَدِم عليهم من مكةَ اليومَ، يزعمون أنّه نبيٌّ. فلما سمعتُها أخذتني العُرَوَاءُ (٣) حتى ظننتُ أنِّي ساقطٌ على سيِّدي، فنزلت عن النخلة فجعلت أقولُ لابنِ عمِّه ذلك: ما تقول؟ فغضب سيِّدي فلَكَمَنِي لكمةً شديدةً، ثمَّ قال: مالَكَ ولهذا؟ أقْبِلْ على عَمَلِكَ! فقلت: لا شيء، إنما أردتُ أن أستثبته عمَّا قال.

وقد كان عندي شيءٌ جمعته، فلما أمْسَيْتُ أخذتُه ثم ذهبت به إلى رسولِ اللهِ ، وهو بقُبَا، فدخلتُ عليه، فقلت له: إنَّه قد بلغني أنِّك رجل صالح ومعك أَصحابٌ لك غُرَبَاء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحقَّ به من غيركم، فقرَّبْتُهُ إليه، فقال رسول الله لأصحابه: "كُلُوا"، وأمسك فلم يأكل. فقلت في نفسي: هذه واحدة.


(١) بنو قيلة هم الأوس والخزرج. قال ابن إسحاق: قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة، وهي أم الأوس والخزرج.
(٢) في "السيرة النبوية": "بقباء". وهو الصواب.
(٣) في "غ": "عرواء". والعرواء: الرّعدة من البرد والانتفاض، فإن كان مع ذلك عَرَقٌ فهي الرُّحَضَاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>