للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ٦٤].

فلما فَرَغَ (١) من قراءة الكتاب ارتفعتِ الأصواتُ عنده، وكَثُرَ اللَّغَطُ، وأُمِرَ بنا فَأُخْرِجْنَا (٢) … ثمِ أَذِن هِرَقْلُ لعظماء الرُّوم في دَسْكَرَةٍ (٣) له بحِمْصَ، ثم أمر بأبوابها فَغُلِّقت، ثم اطَّلعَ فقال: يا مَعْشَرَ الرُّوم! هل لكم في الفلاح والرُّشْد وأنْ تَثْبُتَ مملكتكم (٤) فتُبَايعُوا هذا النبيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرٍ الوَحْشِ إلى الأبواب، فوجدوهاَ قد غُلِّقَتْ، فلما رأى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وأيِسَ من الإيمان قال: رُدُّوهم عليَّ، فقال: إنِّي قلتُ مقالتي آنِفًا أختبرُ بها شِدَّتكم على دينكم، فقد رأيتُ، فسجدوا له ورَضُوا عنه (٥).

فهذا ملك الروم، وكان من علمائهم أيضًا، عرف وأقرَّ أنَّه نبيٌّ، وأنَّه سيملك ما تحت قدميه، وأحبَّ الدُّخِولَ في الإسلام فدعَا قومَه إليه، فولَّوا عنه معرضين كأنهم حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فرَّتْ من قَسْوَرَةٍ، فمنعه من الإسلام الخوفُ على مُلْكِه ورياسته، ومَنَعَ أشْبَاهَ (٦) الحمير ما منع الأُممَ قبلَهم.


(١) في "ب، ج، ص": "فلما قرأه وفرغ".
(٢) في الرواية هنا كلام طواه المصنف اختصارًا.
(٣) الدَّسكرة: بناء يشبه القصر حوله بيوت، ويكون عادة للملوك. والدسكرة أيضًا: القرية. قال الأزهري: أظنها معرَّبة. "المصباح المنير"، ص (١٩٤).
(٤) في "ب": "يثبت لكم ملككم".
(٥) أخرجه البخاري في بدء الوحي: (١/ ٣١ - ٣٣)، وفي الجهاد: (٨/ ١٢٦)، ومسلم في الجهاد: (٣/ ١٣٩٣ - ١٣٩٧).
(٦) في "ج": "الأشباه".

<<  <  ج: ص:  >  >>