للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا غاية ما يمكنه من المكابرة، ولم تُجْدِ عليه هذه المكابرة إلا كشفه عورته وإبداءه الفضيحة بالكذب والبُهْتَان. فالصفات (١) والنعوت والعلامات المذكورة عندهم منطبقة عليه حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، بحيث لا يشكُّ من عرفها ورآه أنَّه هو، كما عرفه قَيْصَرُ وسَلْمَانُ بتلك العلامات المذكورات التي كانت عنده من بعض علمائه، وكذلك هِرَقْلُ عَرَفَ نُبوَّتَه بما وُصِفَ له من العلامات التي سألَ عنها أبا سفيان، فطابقت ما عنده، فقال: إنْ يَكُنْ ما تقولُ حقًّا فإنَّه نبيٌّ، وسيملك ما تحت قدميَّ هاتين.

وكذلك مَنْ قدَّمْنَا ذكرهم من الأحبار والرُّهبان الذين عرفوه بنعته وصفته كما يعرفون أبناءهم. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٤٦].

وقال في موضع آخر: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٢٠].

ومعلومٌ أنَّ هذه المعرفة إنما هي بالنَّعتِ والصِّفَةِ المكتوبةِ عندهم التي هي (٢) منطبقة عليه، كما قال بعض المؤمنين منهم: والله لأَحَدُنا أعرفُ به من ابنه، إنَّ أحدنا لَيَخْرجُ من عند امرأته، وما يدري ما يحدثُ بعده. ولهذا أثنى الله سبحانه على من عَرَفَ الحقَّ منهم، ولم يستكبر عن اتِّباعه، فقال:

﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ


(١) في "غ": "فإن الصفات".
(٢) ساقط من "غ".

<<  <  ج: ص:  >  >>