للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقلْ أحدٌ منهم يومًا من الدهر: إنه أخبر بكذا وكذا في كتبنا وهو كاذبٌ فيه، بل كانوا يصدِّقونه في ذلك، وهم مصرُّون على عدم اتِّباعِهِ. وهذا من أعظمِ الأدلَّةِ على صدقه فيما أخبرَ بهِ لو لم يعلم إلا بمجرَّدِ خبرِهِ.

(السابع): أنِّه أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم، وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب، وأخبر به لأتْبَاعِه؛ فلو كان هذا باطلًا لا صِحَّةَ له = لكانَ ذلك تسليطًا للمشركين أنْ يسألوا أهلَ الكتاب فيُنْكِرُونَ ذلك، وتسليطًا لأهل الكتابِ على الإنكار، وتسليطًا لأتْبَاعهِ على الرُّجوع عنه والتكذيبِ له بعد تصديقِه. وذلك ينقض الغَرَضَ المقصودَ بإخباره من كلِّ وجهٍ، وهو بمنزلة رجلٍ يُخْبِر بما يَشْهَدُ بكَذِبهِ ويجعلُ إخبارَه دليلًا على صِدْقه، وهذا لا يصدر من عاقلٍ ولا مجنون.

فهذه الوجوه يُعْلَمُ بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من غير جهة أخباره، فكيف وقد عُلِمَ وجود ما أخبر به؟!

(الثامن): أنَّه لو قُدِّر أنهم لم يَعْلَمُوا بشارةَ الأنبياءِ به وإخْبَارَهُمْ بنعتِهِ وصفَتِهِ = لم يلزم أنْ لا يكونوا ذَكَرُوه وأخْبَرُوا به وبشَّروا بنبوته؛ إذْ ليس كلُّ ما قاله الأنبياءُ المتقدِّمونَ وَصَلَ إلى المتأخرين وأحاطُوا (١) به عِلْمًا. وهذا مما يُعْلَمُ بالاضْطِرارِ، فكم من قولٍ قد قاله موسى وعيسى، ولا عِلْمَ لليهود (٢) والنَّصارى به، فإذا أخْبَرَ به مَنْ قام الدليلُ القطعيُّ على صدقه، لم يكن جهلُهم به مُوجِبًا لردِّه وتكذيبِهِ.


(١) في "غ": "حاطوا".
(٢) في "غ": "عَلِم اليهودُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>