للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيِّدْهُ برُوح القُدُسِ" (١) وقال: "إنَّ رُوحَ القُدُسِ معك ما زلتَ تنافحُ عن نبيِّه" (٢).

وإذا كان كذلك، ولم يسمِّ أحدٌ هذه الروحَ "فارقليطًا" عُلِمَ أنَّ الفارقليط أمرٌ غير هذا.

وأيضًا: فمثل هذه الرُّوح لا زالت يؤيَّد بها الأنبياءُ والصَّالحون، وما بشَّر به المسيحُ ووعدَ به أمرٌ عظيم يأتي بعده أعظمُ من هذا.

وأيضًا: فإنَّه وصف الفارقليط بصفاتٍ لا تناسِب هذا الروحَ، وإنما تناسِبُ رجلًا يأتي بعدَهُ نظيرًا له، فإنه قال: "إن كنتم تحبُّوني فاحفظوا وصايايَ وأنا أطلبُ من الأب أن يعطيَكُمْ فارقليطًا آخر يَثْبُتُ معكم إلي الأبد" (٣)، فقوله "فارقليطًا آخر" دلَّ علي أنه ثانٍ لأولٍ كان قَبْلَه، وأنه لم يكن معهم في حياة المسيح، وإنما يكون بعد ذهابِه وتولِّيه عنهم.

وأيضًا: فإنَّه قال: "يثبت معكم إلي الأبد". وهذا إنما يكون لِمَا يدومُ ويبقي معهم إلي آخر الدهر. ومعلومٌ: أنه لم يُرِدْ بقاءَ ذاتِهِ، فَعُلِمَ أنه بقاء شَرْعِهِ وأمْرهِ، والفارقليط الأول لم يَثْبُتْ معهم شرعُهُ ودينُه إلي الأبد. وهذا يبيِّن أنَّ الثاني صاحبُ شرعٍ لا يُنْسخ، بل يبقي إلي الأبد (٤)، بخلاف الأول. وهذا إنما ينطبق علي محمدٍ .


(١) أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب ذكر الملائكة: (٦/ ٣٠٤)، ومسلم في فضائل الصحابة، باب فضل حسان: (٤/ ١٩٣٥ - ١٩٣٦).
(٢) أخرجه مسلم في الموضع السابق نفسه.
(٣) إنجيل يوحنا: (١٤/ ١٥).
(٤) هنا يبدأ سقط في "غ" مقداره ورقة، حيث جاء بعد هذا ورقة (٤٨) مكررة وفيها قصة نجران والملاعنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>