للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثرة أعدائه واجتماع أهل الأرض على حربه، بل هو أقوى الخلق وأثبتُهِم جأشًا وأشجعُهم قلبًا، حتى إنه يوم أحد قُتِلَ أصحابُه وجُرِحوا، وما ضعُف ولا استكان، بل خرج من الغد في طلب عدوِّه -على شدة القرح- حتى أَرْعَبَ منه العدو وكرَّ خاسئًا على كثرة عَددِهم وعُدَدِهم وضَعفِ أصحابه، وكذلك يوم حُنَيْنٍ؛ أفرد عن الناس في نَفَرٍ يسير دون العشرة، والعدو قد أحاطوا به، وهم ألوف مؤلَّفة فجعل يثب (١) في العدو ويقول:

أَنَا النبيُّ لا كَذِبْ … أَنَا ابنُ عبدِ المطَّلِبْ

ويتقدم إليهم، ثم أخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم فولَّوا منهزمين (٢).

ومَنْ تأمَّل سيرتَه وحروبَه عَلِمَ أنّه لم يطرق العالَمَ أشجعُ منه ولا أثبت ولا أصبر، وكان أصحابُه -مع أنَّهم أشجعُ الأمم- إذا حَمِي البَأْسُ واشتدَّ الحرب اتَّقوا به وتتَرَّسُوا به فكان أقربُهم إلى العدو، وأشجَعُهم هو الذي يكون قريبًا منه (٣).

وقوله: "ولا يميل إلى اللهو"، هكذا كانت سيرته، كان أَبْعَدَ الناس من اللهو واللعب، بل أمْرُه كلّه جد وحزم وعزم، مجلسه مجلس حياءٍ وكَرَمٍ وعلمٍ وإيمان ووقار وسكينة.


(١) في "ب، ج": "يثبت".
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب من قال خذها وأنا ابن فلان: (٦/ ١٦٤)، ومسلم في الجهاد والسير، باب غزوة حنين: (٣/ ١٤٠٠).
(٣) أخرجه مسلم في الموضع السابق: (٣/ ١٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>