للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي التوراة أيضًا بشارات أُخَر بإسماعيل وولده وأنهم أمة عظيمة جدًّا، وأن نجوم السماء تُحْصَى ولا يُحْصَون (١)، وهذه البشارة إنما تمت بظهور محمد بن عبد الله وأمته.

فإن بني إسحاق كانوا لم يزالوا مطرودين مُشَرَّدِينَ خَوَلًا للفراعنة والقِبْط حتى أنقذهم الله بنبيِّه وكليمه موسى بنِ عِمْرَانَ، وأورثهم أرض الشام فكانت كرسيَّ مملكتهم، ثم سَلَبَهم ذلك وقطَّعهم في الأرض أممًا مسلوبًا عِزُّهم ومُلْكهم؛ قد أخذتهم سيوف السودان، وعَلَتْهُمْ (٢) أعلاج الحمران حتى إذا ظهر النبيُّ تَمَّت تلك النبوات، وظهرتْ تلك البشارات بعد دهر طويل، وعلت بنو إسماعيل على من حولهم فَهَشَمُوهُمْ هَشْمًا، وطحنوهم طحنًا، وانتشروا في آفاق الدنيا، ومدَّت الأمم أيْدِيَها إليهم بالذلِّ والخضوع، وعَلَوْهم عُلُوَّ الثريا فيما بين الهند والحبشة والسُّوس الأقصى وبلاد التُّرْك والصَّقَالِبَة والخَزَر، وملكوا ما بين الخافقين وحيث ملتقى أمواج البحرين، وظهر ذِكْرُ إبراهيم على ألسنة الأمم كلها، فليس صبيٌّ من بعد ظهور النبيِّ ولا امرأةٌ، ولا حرٌّ ولا عَبْد، ولا ذكرٌ ولا أنثى إلا وهو يعرف إبراهيم وآلَ إبراهيم.

وأما النصرانية - وإن كانت قد ظهرتْ في أممٍ كثيرة جليلة؛ فإنه لم يكن لهم في محلِّ إسماعيل وأمه هاجر سلطانٌ ظاهر، ولا عِزٌّ قاهرٌ البتَّة، ولا صارت أيدي هذه الأمة فوق أيدي الجميع، ولا امتدَّت إليهم أيدي الأمم بالخضوع.


(١) في "غ، ص": "تحصى".
(٢) في "ص": "غلبهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>