للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون الله أنزل على بشر شيئًا (١) من الكتب، وليس ذلك مما تَدِيْنُ به اليهود، بل المعروف من دين اليهود الإقرارُ بصُحُف إبراهيمَ، وموسى، وزبور داود. والخبر من أول السورة إلى هذا الموضع خبرٌ عن المشركين من عَبَدَةِ الأوثان، وقوله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ موصولٌ به غيرُ مفصولٍ عنه.

قلت: ويقوِّي قولَه، أنَّ السورة مكيةٌ، فهي خبرٌ عن زنادقة العرب المنكرين لأصل النبوة.

ولكن؛ بقي أن يقال: فكيف يحسن الردُّ عليهم بما لا يُقرُّون به من إنزال الكتاب الذي جاء به موسى؟ وكيف يقال لهم: "يَجْعَلُونَهُ قَرَاطيسَ يُبْدُوْنَهَا وَيُخْفُونَ كَثِيرًا"، ولاسيما على قراءة من قرأ بتاء الخطاب (٢)؟ وهل ذلك صالح لغير اليهود؟ فإنهم كانوا يخفون من الكتاب ما لا يوافق أهواءهم وأغراضهم، ويُبْدُون منه ما سواه، فاحتجَّ عليهم بما يُقِرُّون به من كتاب موسى، ثم وبَّخهم بأنهم خانوا الله ورسوله فيه، فأخْفَوا بعضه وأظهروا بعضه، وهذا استطراد من ذكر جَحْدِهم النبوة بالكلية، وذلك إخفاء لها وكتمان، إلى جحد بعض (٣) ما أقرُّوا به من كتابهم بإخفائه وكتمانه، فتلك سجيَّةٌ لهم معروفةٌ لا تُنْكَر، إذْ مَنْ أخفى بعضَ كتابِه الذي


(١) في "ج": "نبيًّا" وهو تصحيف.
(٢) قرأ ابن كثير وأبو عمرو: "يجعلونه" و"يبدونها" و"يخفونها" بالياء جميعًا، لقوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾. وقرأ الآخرون بالتاء، لقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى﴾. انظر: "تفسير البغوي": (٢/ ٤٤).
(٣) ساقط من "ب، ج".

<<  <  ج: ص:  >  >>