للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [الزخرف: ٩ - ١٢]، إلى آخر الآيات.

وعلى التَّقْدِيْرَيْنِ: فهؤلاء لم يَتِمَّ لهم إنكارُ نبوَّةِ النبيِّ ومُكَابَرَتُهُم إلا بهذا الجحد والتكذيب العام، ورأوا أنَّهم إِنْ أقرُّوا ببعض النبوَّات وجحدوا نبوَّته: ظَهَرَ تَناقُضُهم وتَفْريْقُهم بين المتماثِلَيْن، وأنهم لا يمكنهم الإيمانُ بنبيٍّ وجَحْد نبوَّةِ مَنْ نُبُوَّتُه أظْهَرُ وآياتُها أكثَرُ وأعْظَمُ مِمَّن أقرُّوا به.

وأخبر -سبحانه- أنَّ مَنْ جَحَدَ أن يكونَ قد أرسَلَ رُسُلَه وأنْزَلَ كُتُبَه: لم يَقْدُرْه حقَّ قَدْرِه، وأنه نَسَبَهُ (١) إلى ما لا يَلِيقُ به، بل يتعالى ويتنزَّه عنه، فإنَّ في ذلك إنكارَ ديِنهِ (٢) وإلهيَّتِه ومُلْكِه وحِكْمتِه ورحمتِه، والظنَّ السيئ به؛ أنه خَلَقَ خَلْقَه عبثًا باطلًا، وأنه خَلَّاهمِ سُدًى مُهْمَلًا، وهذا يُنَافِي كمالَهُ المقدَّسَ، وهو متعالٍ عن كلِّ ما يُنَافِي كمَالَهُ.

فمَنْ أنكرِ كَلامَهُ وتكليمَهُ وإرْسَالَه الرُّسلَ إلى خَلْقه، فما قَدَرَهُ حقَّ قدره، ولا عَرَفَهُ حقَّ معرفته، ولا عظَّمه حقَّ عَظَمَتِهِ، كما أنَّ مَنْ عَبَدَ معه إلهًا غيره لم يَقْدُرْه حقَّ قَدْرِهِ: مُعَطِّلٌ جاحدٌ لِصفاتِ كَمالِهِ ونُعُوتِ جَلَالِه وإرسال رسله وإنزالِ كُتُبه، ولا عظَّمه حقَّ عظمته.


(١) ساقطة من "ج".
(٢) في "ب، ج": "ربوبيته".

<<  <  ج: ص:  >  >>