للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا غلامٌ من غلمان الأنصار، شأنه شأن الصغار، لا يكترث بأفعاله وتصرفاته، ويفعل ما يحلو له ويخطر بباله، يتحرك في بساتين المدينة، فإذا ما أحسَّ بجوع؛ التقط الحجر، ورمى النخل، فأسقط ما أسقط من التمر، وأكل!

ضاق به أصحاب البساتين، فأخذوه وانطلقوا به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف واجه تلك المشكلة؟

لم يقل للشاكين والمتضررين: إنه غلامٌ صغير، لا يفقه، دعوه حتى يكبر! لا، لم يفعل.

ولم يعنِّف الغلام على سوء فعله، وجنايته على حق غيره، بلا مراعاة لسنِّه، لا، لم يفعل.

وإنَّما نَظَر إلى الغلام الصغير، وسأله في رفق أمام من أحضروه: «يا رافع! لم ترمي نَخْلَهم؟» فأجاب الغلام ببراءة وعفوية الصغار: الجوع يا رسول الله، أريد أن آكل. فنصحه بما يسدُّ حاجته، ولا يؤذي غيره؛ فقال له: «فلا ترمِ النخل، وكُلْ ما يسقط في أسافلها».

هكذا أدَّبه بعدم التعدِّي على حقِّ غيره، وسمح له بما تحتاج إليه نفسه، ولم يكتفِ بذلك؛ بل أَشْعَره مع النصح، بالشفقة والحب؛ فمسح رأسه، ودعا له: «اللهم أشبع بطنه» (١).


(١) في سنده مقال: أخرجه أحمد (٢٠٣٤٣)، وابن ماجه (٢٢٩٩)، وأبو داود (٢٦٢٢)، والترمذي (١٢٨٨)، وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب".
وللحديث طريقان في كل منهما مقال، ولذلك ضعَّفه الألباني في «ضعيف أبي داود» (٢/ ٣٢٧ - ٣٢٨).
وحكم عليه مُحقِّقوا المسنَد (٣٣/ ٤٥٢) أنه قابلٌ للتحسين، وهو كما قالوا، والله أعلم.

<<  <   >  >>