للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَفَرِهِ كُلِّهِ، قَالُوا: فَلَمَّا دَنَا مِنَ الشَّامِ عَسْكَرَ حَتَّى تَتَامَّ إِلَيْهِ مَنْ تَخَففَ عَنِ العَسْكَرِ، قَالَ: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا الرَّايَاتُ وَالرِّمَاحُ، وَإِذَا الجنُودُ قَدْ أَقْبَلُوا عَلَى الخيُولِ يَسْتَقْبِلُونَ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ، فَكَانَ أَوَّلُ مِقْنَبٍ لَقِيَنَا مِنَ النَّاسِ فَسَأَلَنَا عَنِ المدِينَةِ فَأَخْبَرْنَاهُ بِصَلاحِ النَّاسِ فَنَاَدَوْا؛ هَلْ لَكُمْ بِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مِنْ عِلْمٍ؟ فَسَكَتَ وَمَضَوْا، وَأَقْبَلَ مِقْنَبٌ آخَرُ لَقِيَهُ فَسَلَّمُوا، ثُمَّ سَأَلُوا عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ؛ هَلْ لنَا بِهِ عِلْمٌ؟ فَقَالَ لَنَا: أَلَا تُخْبِرُونَ الْقَوْمَ عَنْ صَاحِبِكُمْ. فَقُلْنَا: حبهُمْ هَذَا أَمِيرُ المُؤْمِنينَ، فَذَهَبُوا يَرْجِعُونَ يَقْتَحِمُونَ عَنْ خُيُولِهِمْ فَنَادَاهُمْ عُمَرُ: لَا تَفْعَلُوا وَرَجَعَ الآخَرُونَ الَّذِينَ مَضَوْا فَسَارُوا مَعَنَا، وَأَقْبَلَ المُسْلِمُونَ يَصُفُّونَ الخيْلَ، وَيَشْرَعُونَ الرِّمَاحَ حَفَاءً فِي طَرِيقِ عُمَرَ، حَتَّى طَلع أَبُو عُبَيْدَةَ فِي عِظْمِ النَّاسِ، فَإِذَا هُوَ عَلَى قَلُوصٍ مُكَتَنِفُهَا بِعَبَاءَة خِطَامُهَا، خُطَامٌ مِنْ شَعَرٍ لَابسٌ سِلاحَهُ، مُتَنَكِّبٌ قَوْسَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَى عُمَرَ أَنَاخِ قَلُوصَهُ (١٣٠) وَأَنَاخَ عُمَرُ بَعِيرَهُ، فَنَزَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَأَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ إِلى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَدَّ أَبُو عُبَيْدَةَ يَدَهُ إِلَى عُمَرَ لِيُصَافِحَهُ فَمَدَّ عُمَرُ يَدَهُ، فَأَخَذَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَهْوَى لِيُقَبِّلَهَا يُرِيدُ أَنْ يُعَظِّمَهُ فِي العَامَّةِ، فَأَهْوَى عُمَرُ إِلَى رِجْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ لِيُقَبِّلَهَا، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَهْ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ. وَتَنَحَّى، فَقَالَ عُمَرُ: فمَهْ يَا أبَا عُبَيْدَةَ. فَتَعَانَقَ الشَّيْخَانُ، ثُمَّ رَكِبَا يَتَسَايَرَانِ وَسَارَ النَّاسُ أَمَامَهُمَا، وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ أَنَّهُمْ تَلَقَوْا عُمَرَ بِبِرْذَوْنَ وَثِيابٍ بِيْضٍ، فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرْكَبَ الْبِرْذَونَ لِيَرَاهُ العَدُوُّ فَهُوَ أَهْيَبُ لَهُ عِنْدَهُمْ، وَيَلْبَسُ البَيَاضَ، وَيَطْرَحُ الْفَرْوَ عَنْهُ فَأَبَى، ثُمَّ أَلَحُّوا عَلَيْهِ فَرَكِبَ البِرْذَوْنَ بِفَرْوِهِ وَثِيَابِهِ، فَهَمْلَجَ بِهِ البِرْذَوْنُ وَخِطَامُ رَاحِلَتِهِ بَعْدُ فِي يَدِهِ فَنَزَلَ فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، وَقَالَ: لَقَدْ عَثَرَ بِي هَذَا حَتَّى خِفْتُ أَنْ أَتَكَبَّرَ -أَوْ أُنْكِرَ نَفْسِي- فَعَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ


(١٣٠) القَلُوص: الفتية من الإبل، وقيل هي: الثنية، وقيل هي ابنة المخاض، وقيل هي كل أنثى من الإبل حين تركب وإن كانت بنت لبون أو حقة إلى أن تصير بكرة أو تبزل. انظر "لسان العرب": قلص.

<<  <   >  >>