للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كِتَابُ الإِسْرَاءِ

قَالَ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (١).

قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَهْذِيبِ الآثَارِ":

أَمَّا مَا رُويَ عَمَّنْ رُويَ عَنْهُ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ إِسْرَاءِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَا ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ عَايَنَ هُنَالِكَ وَفِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كُلّهُ رُؤْيَا نَوْمٍ لَا رُؤْيَا يَقَظَةٍ فَقَوْلُ ظَاهِرِ كِتَاب اللَّهِ عَلَى خِلَافِهِ دَالٌّ، وَالتَّنْزِيلُ عَلَى فَسَادِهِ شَاهِدٌ، وَالأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِغَيْرِهِ مُتَظَاهِرَةٌ، وَالرِّوَايَاتُ بِبُطُولِهِ وَارِدَةٌ فَأَمَّا دَلِيلُ ظَاهِرِ كِتَاب اللَّهِ عَلَى خِلَافِهِ، فَقَوْلُهُ {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}، فَأَخْبَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، مُعَلِّمًا بِذَلِكَ خَلْقَهُ قُدْرَتهُ عَلَى مَا فَعَلَ به، مِمَّا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ إِلَى مِثْلِهِ، إِلَّا لِمَنْ مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ الَّذِي مَكَّنْ مِنْهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- وَدَالًّا بِذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ بِهِ عَلَى صِدْقِهِ وَحَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنَ المعْجِزَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ مِنَ البَشَرِ عَلَيْهِ أَحَدٌ، إِلَّا مَنْ خَصَّهُ اللَّه بِمِثْلِ مَا خَصَّهُ بهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ رُؤْيَا نَوْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ دَلَالَةٌ، وَلَا عَلَى مَنِ احْتَجَّ عَلَيْهِ بِهِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِرَسُولِهِ حُجَّةٌ، وَلَا كَانَ لِإنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ مِنَ


(١) الإسراء: ١.

<<  <   >  >>