للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المشْرِكِينَ مَسْرَاهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى وَرُجُوعهِ إِلَيْهَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَة وَجْهٌ مَعْقُولٌ، إِذْ كَانَ مَعْقُولًا عِنْدَ كُلِّ ذِي فِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَرَى فِي مَنَامِهِ فِي السَّاعَةِ مَا عَلَى مَسِيرَةِ سَنَةٍ مِنْ مَوْضِعِ مَنَامِهِ مِنَ البلَادِ أَوْ أَكْثَرَ، وَأَنَّهُ يَقْضِي هُنَالِكَ أَوْطَارًا وَحَاجَاتٍ، فَدَعْ مَا عَلَى مَسِيرَةِ (شَهْرٍ) (٢)، وَفِي تَظَاهُرِ الأَخْبَارِ عَنْ مُشْرِكِي قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِإِنْكَارِهِمْ مَما أَخْبَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنْ مَسْرَاهُ مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، أَوْضَحُ البُرْهَانِ وَأَبْيَنُ البَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ، لِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِيَّاهُمْ مِنَ الخَبَرِ بِمَا كَانَ مُمْتَنِعًا عِنْدَهُمْ فِعْلُهُ عَلَى مَنْ كَانَ بِمِثْلِ خِلْقَتِهِمْ وَبِنْيَتِهِمْ مِنْ جَمِيعِ البَشَرِ، فَأَمَّا مَا كَانَ جَائِزًا وَجُودُهُ وَمُمْكِنًا كَوْنُهُ مِنْ كُل مَنْ كَانَ بِمِثْلِ هَيْئَتِهِمْ وَمَفْطُورًا مِثْلَ فِطْرَتِهِمْ، فَغَيْرُ جَائِزٍ مِنْهُ التَّكْذِيبُ بِهِ، وَمُسْتَحِيلٌ مِنْ رَسُولِ رَبِّ العَالَمِينَ أَنْ يَكُونَ احْتَجَّ عَلَيهِمْ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنّ النَّائِمَ قَدْ يَرَى فِي نَوْمِهِ مِمَّا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبَيْتِ المقْدِسِ، أَنَّهُ بِهِ، وَأَنَّهُ يُعَانِي بِهِ أمُورًا وَيَقْضِي بِهِ أَوْطَارًا، وَالأنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَا تَحْتَجُّ عَلَى مَنْ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِ لِصِدْقِهَا فِيمَا يُنْكِرُهُ المرْسِلُونَ إِلَيْهِمْ مِنْ نُبُوَّتِهَا، إِلّا بِمَا يَعْجَزُ عَنْ مِثْلِهِ جَمِيعُ البَشَرِ، إِلّا مَنْ أَيَّدَهُ اللَّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ بِمِثْلِ مَا أَيَّدَهُمْ بِهِ مِنَ الأَعْلَامِ وَالأَدِلَّةِ، وَأَمَّا الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَمُتَظَاهِرَةٌ بِأَنَّهُ قَالَ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالبُرَاقِ، فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْنَا بَيْتَ المقْدِسِ". وَلَا شَكَّ أَنَّ الأَرْوَاحَ لَا تُحْمَلُ عَلَى الدَّوَابِّ، وَإِنَّمَا تُحْمَلُ عَلَيْهَا الأَجْسَامُ ذَوَاتُ الأَرْوَاحِ وَغَيْرُ ذَوَاتِ الأَرْوَاحِ، وَفِي إِخْبَارِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّهُ حُمِلَ عَلَى البُرَاقِ، الإِبَانَةُ عَنْ خَطَإِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكَرَهُ عَنْ نَبِيِّه: أَنَّهُ أَسْرَى بِهِ لَيْلًا مِنَ


(٢) ما بين القوسين زيادة لابد منه؛ لأن الكلام بعده مستأنف، وأخذته من قول قريش: هذا واللَّه الأمر البيِّن! واللَّه إن العير لتطرد شهرًا من مكة إلى الشام مدبرة وشهرًا مقبلة. "سيرة ابن هشام" (٢/ ٣٩)، وغيرها وكان عند هذا الموضع في المخطوطة في هامشها دلالة على الشك، وهو موضع شك بلا ريب.

<<  <   >  >>