للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، إِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْهُ عَنْ أَنَّهُ أَسْرَى بِرُوحِهِ دُونَ جِسْمِهِ، مَعَ أَنَّ فِي خَبْرِ شَدَّادِ ابنِ أَوْسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- صَبِيحَةَ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ: طَلَبْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ البَارِحَةَ فِي مَظَانِّكَ فَلَمْ أُصِبْكَ، وِإجَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِيَّاهُ: بِأَنَّ جِبْرِيلَ حَمَلَهُ فِي تِلْكَ الليْلَةِ إِلَى بَيْتِ المقْدِسِ؛ البَيَانُ الوَاضِحُ أَنَّهُ سَارَ بِنَفْسِهِ تِلْكَ الليْلَة مِنَ المسَجِدِ الحَرَامِ إِلَى المسْجدِ الأَقْصَى، وَالإِبَانَةُ عَنْ خَطَإ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُؤْيَا مَنَامْ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَتَابَعَتِ الأَخْبَارُ عَنْ عَامَّةِ السَّلَفِ. (٣)

قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِأَحَادِيثِ الإِسْرَاءِ:

وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُسْرِىَ بِرُوحِهِ، وَلَمْ يُسْرَ بِجَسَدِه.

وَالصَّوَابُ مِنَ القَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَسْرى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ، وَكَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أَنَّ اللَّهَ حَمَلَهُ عَلَى البُرَاقِ حِينَ أَتَاهُ بِهِ، وَصلَّى هُنَالِكَ بِمَنَّ صَلَّى مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالرُّسُلِ، فَأَرَاهُ مَا أَرَاهُ مِنَ الآيَاتِ؛ وَلَا مَعَنْى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَسْرَى بِرُوحِهِ دُونَ جَسَدِه؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَلَا كَانَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا حَقِيقَةَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ بِهِ عَنْ صِدْقِهِ فِيهِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَهُمْ، وَلَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الفِطَرَةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَرَى الرَّائِي مِنْهُمْ فِي المنَام مَا عَلَى مَسِيرَةِ سَنَةٍ، فَكَيْفَ مَا هُوَ عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ أَوْ أَقَلّ؟ وَبَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ أَسْرَى بعَبْدِه، وَلَمْ يُخْبِرْنَا أَنَّهُ أَسْرَى بِرُوحِ عَبْدِهِ، وَلَيْسَ جَائِزًا لِأحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى مَا قَالَ اللَّه إِلَى غَيْرِهِ. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ


(٣) "تهذيب الآثار" مسند ابن عباس (ص ٤٥٣ - ٤٥٦).

<<  <   >  >>