للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَوْلَيْنِ، فَالأَكْثَرُونَ مِنَ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ يَقَظَةً لَا مَنَامًا، وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأَى كلَ ذَلِكَ مَنَامًا، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَهُ يَقَظَةً، لِأنَّهُ -عليه السلام- كَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ؛ وَالدَّلَيلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} فَالتَّسْبِيحُ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الأُمُورِ العِظَامِ، وَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ شَيْءٍ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعْظَمًا، وَلَما بَادَرَتْ كُفَّارُ قرَيْشٍ إِلَى تَكْذِيبِهِ، وَلَما ارْتَدَّ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّ العَبْدَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الرُّوحِ وَالجَسَدِ.

وَقَدْ قَالَ عَزَّ شَأْنُهُ: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} (٦) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَالشَّجَرَةَ الملْعُونَةَ: شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَقَالَ تَعَالَى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} (٧) وَالبَصَرُ مِنَ آلَاتِ الَّذَاتِ لَا الرُّوحُ؛ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حُمِلَ عَلَى البُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ بَيْضَاءُ بَرَّاقَةٌ لَهَا لَمَعَانٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا لِلْبَدَنِ لَا لِلْرُوحِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ فِي حَرَكَتِهَا إِلَى مَرْكَبٍ تَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِرُوحِهِ لَا بِجَسَدِهِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي "السِّيرَةِ": حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ المغِيرَةِ بْنِ الأَخْنَسِ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: كَانَتْ رُؤْيَا مِنَ اللَّهِ صَادِقَةً.

وَحَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَبِي بَكْرٍ أَنَ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: مَا فُقِدَ جَسَدُ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ.


(٦) الإسراء: ٦٠.
(٧) النجم: ١٧.

<<  <   >  >>