للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= كلها، ثم فسرته السنة بالأحاديث التي فيها خلال الإيمان في الباب الذي في صدر هذا الكتاب، فلما خالطت هذه المعاصي هذا الإيمان المنعوت بغيرها، قيل: ليس هذا من الشرائط التي أخذها اللَّه على المؤمنين، ولا الأمانات التي يعرف بها أنه الإيمان، فنفت عنهم حينئذ حقيقته، ولم يزل عنهم اسمه، فإن قال قائل: كيف يجوز أن يقال: ليس بمؤمن واسم الإيمان غير زائل عنه؟ قيل: هذا كلام العرب المستفيض عندنا غير المستنكر في إزالة العمل عن عامله، إذا كان عمله على غير حقيقته، ألا ترى أنهم يقولون للصانع إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئًا ولا عملت عملًا. وإنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجويد، لا على الصنعة نفسها، فهو عندهم عامل بالاسم، وغير عامل في الإتقان حتى تكلموا به فيما هو أكثر من هذا، وذلك كرجل يعق أباه ويبلغ منه الأذى، فيقال: ما هو بولد. وهم يعلمون أنه ابن صلبه، ثم يقال مثله في الأخ، والزوجة، والمملوك، وإنما مذهبهم في هذا: المزايلة الواجبة عليهم من الطاعة والبر، وأما النكاح والرق والأنساب، فعلى ما كانت عليه أماكنها وأسماوها، فكذلك هذه الذنوب التي ينفى بها الإيمان، إنما أحبطت الحقائق منه الشرائع التي هي من صفاته، فأما الأسماء فعلى ما كانت قبل ذلك، ولا يقال لهم إلا مؤمنون، وبه الحكم عليهم. اهـ.
ولهذا كان مذهب الجماهير أصوب.
قال الحافظ في "الفتح" (٤/ ٣١٩): وقال الجمهور بعمومه من كل مسجد إلا لمن تلزمه الجمعة، فاستحب له الشافعي في الجامع، وشرطه مالك؛ لأن الاعتكاف عندهما ينقطع بالجمعة، ويجب بالشروع عند مالك، وخصه طائفة من السلف كالزهري بالجامع مطلقًا، وأومأ إليه الشافعي في القديم، وخصه حذيفة بن اليمان بالمساجد الثلاثة، وعطاء بمسجد مكة والمدينة، وابن المسيب بمسجد المدينة.
وقال الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" بعد سياقه الحديث: فتأملنا هذا الحديث فوجدنا فيه إخبار حذيفة ابن مسعود أنه قد علم ما ذكره له عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وترك ابن مسعود إنكار ذلك عليه وجوابه إياه بما أجابه به في ذلك من قوله: "لعلهم حفظوا". نسخ ما قد ذكرته من ذلك، وأصابوا فيما قد فعلوا، وكان ظاهر القرآن يدل على ذلك وهو قوله: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فعم المساجد كلها بذلك، وكان المسلمون عليه من الاعتكاف في مساجد بلدانهم، إما مساجد الجماعات التي تقام فيها الجمعات، وإما هي وما سواها من المساجد التي لها الأئمة والمؤذنون على ما قاله أهل العلم في ذلك.
وقال العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه اللَّه في "الشرح الممتع" (٦/ ٥١٢): وإن صح هذا الحديث فالمراد به لا اعتكاف تام، أي ان الاعتكاف في هذه المساجد أتم وأفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى، كما أن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في المساجد الأخرى، ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}، فقوله تعالى: {الْمَسَاجِدِ} =

<<  <   >  >>