للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأَرْضَ، وَدَعَا لَهُ، وَقَالَ: قُمْ بإِذْنِ اللَّهِ. فَقَامَ صَحِيحًا يَشْتَدُّ، فَجَعَلَ سَلْمَانُ يَتَعَجَّبُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ يَشْتَدُّ.

وَسَارَ الرَّاهِبُ فَتَغَيَّبَ عَنْ سَلْمَانَ، وَلا يَعْلَمُ سَلْمَانُ، ثُمَّ إِنَّ سَلْمَانَ فَزِعَ فَطَلَبَ الرَّاهِبَ، فَلَقِيَ رَجُلَينِ مِنَ العَرَبِ مِنْ كَلْبٍ، فَسَأَلَهُمَا: هَلْ رَأَيْتُمَا الرَّاهِبَ؟ فَأَنَاخَ أَحَدُهُمَا رَاحِلَتَهُ، قَالَ: نِعْمَ رَاعِي الصِّرْمَةِ (١٩) هَذَا! فَحَمَلَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى المدِينَةِ.

قَالَ سَلْمَانُ: فَأصَابَنِي مِنَ الحُزْنِ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلَهُ قَطُّ، فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهَا هُوَ وَغُلامٌ لَهَا يَتَراوَحَانِ الغَنَمَ، هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا، وَكَانَ سَلْمَانُ يَجْمَعُ الدَّرَاهِمَ يَنْتَظِرُ خُرُوجَ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا يَرْعَى، إِذ أَتَاهُ صَاحِبُهُ الَّذِي يَعْقِبُهُ فَقَالَ لَهُ: أَشَعَرَتَ إِنَّهُ قَدْ قَدِمَ اليَوْمَ المدِينَةَ رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: أَقِمْ فِي الغَنَمِ حَتَّى آتِيَكَ. فَهَبَطَ سَلْمَانُ إِلَى المدِينَةِ فَنَظَرَ إِلَى النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَدَارَ حَوْلَهُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَرِفَ مَا يُرِيدُ، فَأَرْسَلَ ثَوْبَهُ حَتَّى خَرَجَ خَاتَمَهُ، فَلَمَّا رَآهُ أَتَاهُ وَكَلَّمَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ، بِبَعْضِهِ شَاةً فَشَوَاهَا، وَبِبَعْضِهِ خُبْزًا، ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ " قَالَ سَلْمَانُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ. قَالَ: "لَا حَاجَةَ لِي بِهَا، فَأخْرِجْهَا فَلْيَأكُلْهَا المُسْلِمُونَ". ثُمَّ انْطَلَقَ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ آخَرَ خُبْزًا وَلَحْمًا، فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقَالَ: "مَا هَذَا؟ " قَالَ: هَذِهِ هَدِيَّةٌ. قَالَ: "فَاقْعُدْ فَكُلْ". فَقَعَدَ فَأَكَلَا جَمِيعًا مِنْهَا، فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثُهُ إِذْ ذَكَرَ أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ، فَقَالَ: كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيُؤمِنُونَ بِكَ، وَيَشْهَدُونَ أَنَّكَ سَتُبْعَثُ نَبِيًا، فَلَمَّا فَرَغَ سَلْمَانُ مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ، قَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ: "يَا سَلْمَانُ، هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ". فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَانَ، وَقَدْ كَانَ قَالَ لَهُ سَلْمَانُ: لَوْ أَدْرَكُوكَ صَدَّقُوكَ وَاتَّبَعُوكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ


(١٩) الصِّرْمَةُ: بالكسر، القطعة من الإبل ما بين العشرة إلى الأربعين، وتصغر على صُرَيْمَةٍ، والجمع صِرَمٌ. انظر "المصباح المنير": صَرَمَ.

<<  <   >  >>