للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُمْدِدُكُمْ وَيَزِيدُكُمْ. قَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ، لَوْ أَرَيْتَنَا اليَوْمَ آيَةً مِنْ هَذِهِ الآيَةِ. قَالَ عِيسَى -عليه السلام- لِلسَّمَكَةِ: احْيَيْ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَاضْطَرَبَتِ السَّمَكَةُ حَيَّةً طَرِيَّةً تَدُورُ عَيْنَاهَا فِي رَأْسِهَا، وَلَهَا وَبِيصٌ تَلَمَّظُ (١٠٣) بِفِيهَا كَمَا يَتَلَمَّظُ الأَسَدُ، وَعَادَ عَلَيْهَا قُشُورَهَا، فَفَزِعَ القَوْمُ فَقَالَ عِيسَى: مَا لَكُمْ تَسْأَلُونَ عَنْ أَشْيَاءَ فَإِذَا أعْطِيتُمُوهُ كَرِهْتُمُوهُ، مَا أَخْوَفَنِي عَلَيْكُمْ أَنْ تُعَذَّبُوا. ثُمَّ قَالَ: عُودِي يَا سَمَكَةُ مِثْلَ مَا كُنْتِ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَعَادَتِ السَّمَكَةُ مَشْوِيَّةً كَمَا كَانَتْ لَيْسَ عَلَيْهَا قُشُورٌ عَلَى حَالِها. فَقَالُوا: يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، كُلْ مِنْهَا الَّذِي تَأْكُلُ أَوَّلًا ثُمَّ نأْكُلُ نَحْنُ. فَقَالَ عِيسَى: مَعَاذَ اللَّهِ، يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ طَلَبَهَا وَسَأَلَها. قَالَ: فَفَزِعَ الحَوَارِيُّونَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا سُخْطَةً وَمُثْلَةً؛ فَلَمْ يَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَدَعَا عِيسَى -عليه السلام- عَلَيْهَا أَهْلَ الفَاقَةِ وَالزَّمَانَةِ، وَالمرْضَى مِنْ أَهْلِ العِمْيَانِ وَالمجَذَّمِينَ وَالمقْعَدِينَ، وَأَهْلِ البَلاءِ وَالماءِ الأَصْفَرِ وَالمجَانِينَ، فَقَالَ لَهُمْ: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، وَادْعُوهُ يُبْرِئْكُمْ إِنَّهُ رَبُّكُمْ، وَاحْمَدُوهُ يَكُونُ المهْنَأُ لَكُمْ، وَالبَلاءُ لِغَيْرِكُمْ، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُوا، فَفَعَلُوا وَصَدَرُوا عَنْ تِلْكَ السَّمَكَةَ وَالأَرْغِفَةَ وَهُمْ أَلْفٌ وَثَلَاثُمِئَةٍ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْ فَقِيرٍ وَجَائِعٍ وَصَاحِبِ عِلَّةٍ وَفَاقَةٍ، فَصَدَرُوا كُلُّهُم شِبَاعًا يَتَجَشَّؤُونَ، ثُمَّ نَظَرَ عِيسَى -عليه السلام- فَإِذَا مَا عَلَى المائِدَة كَهَيْئَتِهِ كَمَا أُنْزِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ رُفِعَتِ السُّفْرَةُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، فَاسْتَغْنَى كُلُّ فَقِيرٍ أَكَلَ مِنْهَا يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ يَزَلْ غَنِيًّا حَتَّى مَاتَ، وَبَرَأَ كُلُّ زَمِنٍ مِنْ زَمَانَتِه حَتَّى مَاتَ، فَنَدِمَ الحَوَارِيُّونَ وَسَائِرُ النَّاسِ مِمَّنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا وَأَبَى ذَلِكَ، وَتَحَسَّرُوا حَسْرَةً وَاشْتَدَّتْ فِيهَا أَسْقَامُهُمْ.

قَالَ: وَكَانَتْ إِذَا نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَقْبَلُوا إِلَيْهَا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ يَسْعَوْنَ، يُزَاحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا: الأَغْنِيَاءُ وَالفُقَرَاءُ، وَالرِّجَالُ والنِّسَاءُ، وَالكِبَارُ وَالصِّغَارُ، وَالأَصِحَّاءُ


(١٠٣) التلمُّظُ: الأخذ باللسان ما يبقى في الفم بعد الأكل، وقيل: هو تحريك اللسان في الفم بعد الأكل؛ كأنه يتتبع بقية من الطعام بين أسنانه. انظر "اللسان": لمظ.

<<  <   >  >>