للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فاستعمل «عن» هاهنا لما دخله من معنى قد صرفه الله عنى؛ لأنه إذا قتله فقد صرف عنه.

وعليه قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ} وأنت لا تقول:

رفثت إلى المرأة، وإنما تقول: رفثت بها ومعها. لّما كان الرفث بمعنى الإفضاء عدى بإلى كما يعدّى أفضيت بإلى، نحو قولك: أفضيت إلى المرأة. وهو باب واسع ومنقاد، وقد تقصيناه فى كتابنا «الخصائص». فكذلك قوله عز وجل: «وَما يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ»، جاء على خدعته نفسه لما كان معناه معنى انتقصته نفسه، أو تخوّنته نفسه.

ورأيت أبا على رحمه الله يذهب إلى استحسان مذهب الكسائى فى قوله:

إذا رضيت علىّ بنو قشير … لعمر الله أعجبنى رضاها

لأنه قال: عدى رضيت بعلى، كما يعدّى نقيضها وهى سخطت به، وكان قياسه:

رضيت عنى، وإذا جاز أن يجرى الشئ مجرى نقيضه فإجراؤه مجرى نظيره أسوغ. فهذا مذهب الكسائى وما أحسنه! وفيه غيره على سمت ما كنا بصدده، وذلك أنه إذا رضى عنه فقد أقبل عليه؛ فكأنه قال: إذا أقبلت على بنو قشير. وهو غور من أنحاء العربية طريف ولطيف ومصون وبطين.

***

{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً} (١٠) ومن ذلك قال ابن دريد عن أبى حاتم، عن الأصمعى، عن أبى عمرو: «فى قلوبهم مرض» ساكنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>