لم يرضوا له بهذه المنزلة حتى صاغوا الفعل له، وبنوه على أنه مخصوص به، وألغوا ذكر الفاعل مظهرا أو مضمرا فقالوا: ضرب عمرو فاطّرح ذكر الفاعل البتة. نعم، وأسندوا بعض الأفعال إلى المفعول دون الفاعل البتة، وهو قولهم: أولعت بالشئ، ولا يقولون:
أولعنى به كذا. وقالوا: ثلج فؤاد الرجل ولم يقولوا: ثلجه كذا، وامتقع لونه ولم يقولوا:
امتقعه كذا. ولهذا نظائر، فرفض الفاعل هنا البتة واعتماد المفعول به البتة دليل على ما قلناه فاعرفه.
وأظننى سمعت: أولعنى به كذا، فإن كان كذلك فما أقله أيضا!.
وهذا كله يدل على شدة عنايتهم بالفضلة. وإنما كانت كذلك لأنها تجلو الجملة، وتجعلها تابعة المعنى لها. ألا ترى أنك إذا قلت: رغبت فى زيد أفيد منه إيثارك له، وعنايتك به، وإذا قلت: رغبت عن زيد، أفيد منه إطراحك له وإعراضك عنه، ورغبت فى الموضعين بلفظ واحد، والمعنى ما تراه من استحالة معنى رغبت إلى معنى زهدت، وهذا الذى دعاهم إلى تقديم الفضلات فى نحو قول الله سبحانه:«ولم يكن له كفرا أحد». وإنما موضع اللام التأخير؛ ولذلك قال سيبويه: إن الجفاة ممن لا يعلم كيف هى فى المصحف يقرؤها: «ولم يكن كفوا له أحد».
فإن قلت: فقد قالوا: زيدا ضربته فنصبوه، وإن كانوا قد أعادوا عليه ضميرا يشغل الفعل بعده عنه حتى أضمروا له فعلا ينصبه، ومع هذا فالرفع فيه أقوى وأعرب، وهذا ضد ما ذكرته من جعلهم إياه ربّ الجملة ومبتدأها فى قولهم: زيد ضربته.
قيل: هذا وإن كان على ما ذكرته فإنه فيه غرضا من موضع آخر، وذلك أنه إذا نصب على ما ذكرت فإنه لا يعدم دليل العناية به، وهو تقديمه فى اللفظ منصوبا، وهذه صورة انتصاب الفضلة مقدّمة لتدل على قوة العناية به، لا سيما والفعل الناصب له لا يظهر أبدا مع تفسيره، فصار كأن هذا الفعل الظاهر هو الذى نصبه، وكذلك يقول الكوفيون أيضا.
فإذا ثبت بهذا كله قوة عنايتهم بالفضلة حتى ألغوا حديث الفاعل معها، وبنوا الفعل