ومنه قول الله تعالى:{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا}، أى صادفناه غافلا. ولو كان أغفلنا هنا منقولا من غفل، أى منعناه وصددناه، لكان معطوفا عليه بالفاء «فاتّبع هواه». وذلك أنه كان يكون مطاوعا، وفعل المطاوعة إنما يكون معطوفا بالفاء دون الواو، وذلك كقوله: أعطيته فأخذ، ودعوته فأجاب. ولا تقول هنا: أعطيته وأخذ، ولا دعوته وأجاب، كما لا تقول: كسرته وانكسر، ولا جذبته وانجذب. إنما تقول: كسرته فانكسر، وجذبته فانجذب وهذا شديد الوضوح والإنارة على ما تراه.
وكذلك لو كان معنى أغفلنا فى الآية منعنا وصددنا لكان معطوفا عليه بالفاء، وأن يقال: ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا فاتبع هواه. وإذ لم يكن هكذا، وكان إنما هو «واتبع» فطريقه أنه لما قال أغفلنا قلبه عن ذكرنا فكأنه قال: وجدناه غافلا، وإذا وجد غافلا فقد غفل لا محالة، فكأنه قال إذا: ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا، أى لا تطع من فعل كذا، يعدد أفعاله التى توجب ترك طاعة الله سبحانه. ونسأل الله توفيقا من عنده ودنوّا من مرضاته بمنّه ومشيئته. فهذا أحد وجهى «تغمضوا فيه»، أى: إلا أن توجدوا مغمضين متغاضين عنه.
والآخر: أن يكون «تغمضوا فيه»، أى: إلا أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه، وذلك