قال أبو الفتح: هذه قراءة حسنة المعنى، وذلك أن رأيت وأرى أقوى فى اليقين من أريت وأرى. تقول: أرى أن سيكون كذا، أى: هذا غالب ظنى، وأرى أن سيكون كذا، أى: أعلمه وأتحققه، وسبب ذلك أن الإنسان قد يريه غيره الشئ فلا يصح له، فمعناه إذا أن غيره يشرع فى أن يراه ولا أنه هو لا يراه. وأما أرى فإخبار بيقين منه، فكذلك هذه الآية «يرونهم مثليهم»، أى: يصوّر لهم ذلك وإن لم يكن حقا؛ لأن الشئ الواحد لا يكون اثنين فى حال واحد قد يظن ويتوهم شيئين بل أشياء كثيرة. ومثله قول الله تعالى:{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً}، فهذا يحسّن هذه القراءة.
وأما قراءة الجماعة:{يَرَوْنَهُمْ} فلأنها أقوى معنى، وذلك أنه أوكد لفظا، أى حتى لا يقع شك فيهم ولا ارتياب بهم أنهم مثلاهم. فهذا أبلغ فى معناه من أن يكون مر يريهم ذلك، فقد يجوز أن يتم له ذلك وقد لا، هذا فى ظاهر الأمر؛ فأما على اليقين ومع الحقيقة فلا يجوز أن يكون الشئ الواحد شيئين اثنين فيما له كان واحدا. ومما جاء مفصولا فيه بين أرى وأرى قوله:
ترى أو تراءى عند معقد غرزها … تهاويل من أجلاد هرّ مؤوّم
فلما قال:«ترى» استكثر ذلك لأنه مع التحصيل لا حقيقة له، فأتبعه بما لان له القول الأول، فقال: أو تراءى فاعرف ذلك.
***
{زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ}(١٤) ومن ذلك قراءة مجاهد: «زيّن للناس حبّ الشهوات»، بفتح الزاى والياء.
قال أبو الفتح: فاعل هذا الفعل إبليس، ودل عليه ما يتردد فى القرآن من ذكره.
فهذا نحو قول الله تعالى:{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ}، وما جرى هذا المجرى.