للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو الفتح: فى هذه القراءة دلالة على أنك إذا قلت: شربت ماءك-وإنما شربت بعضه-كنت صادقا، وكذلك إذا قلت: أكلت طعامك، وإنما أكلت بعضه. ووجه الدلالة منه قراءة الباقين: {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، والمعنى واحد فى القراءتين. ونحن أيضا نعلم أن الله سبحانه لم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، أى فى جميعه، كشرب الماء، وتناول الغذاء. وإنما المراد به العانى من أمر الشريعة وما أرسل عليه السلام له. ومع هذا فقد قال سيبويه فى باب الاستقامة والاستحالة من الكلام: فأما المستقيم الكذب فهو قولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر ونحوه. فجعله إياه كذبا يدلك على أن مراده هنا بقوله: ماء البحر-جميعه؛ لأنه لا يجوز أن يشرب جميع مائه، فأما على العرف فى ذلك على ما مضى فلا يكون كذبا.

***

{فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} (١٥٩) ومن ذلك قراءة جابر بن يزيد، وأبى نهيك وعكرمة وجعفر بن محمد. «فإذا عزمت»، بضم التاء.

قال أبو الفتح: تأويله عندى والله وأعلم: فإذا أريتك أمرا فأعمل به وصر إليه.

وشاهده قول الله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ}، وهذا ليس من رؤية العين؛ لأنه لا مدخل له فى الأحكام، ولا من العلم؛ لأن ذلك متعد إلى مفعولين. فإذا نقل بالهمزة وجب أن يتعدى إلى ثلاثة، والذى معنا فى هذا الفعل إنما هو مفعولان:

أحدهما الكاف، والآخر الهاء المحذوفة العائدة على «ما»، أى بما أراكه الله. فثبت بذلك أنه من الرأى الذى هو الاعتقاد، كقولك: فلان يرى رأى الخوارج، ويرى رأى أبى حنيفة ورأى مالك، ونحو ذلك؛ فرأيت هذه إذا قسم ثالث ليست من رؤية العين ولا من يقين القلب.

وجاز أن ينسب سبحانه العزم إليه إذ كان بهدايته وإرشاده، فهو كقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>