منه الضمير فإنه قد خلفه وأعيض منه ما يقوم مقامه فى اللفظ؛ لأنه يعاقبه ولا يجتمع معه، وهو حرف الإطلاق، أعنى الياء فى «أصنعى»، فلما حضر ما يعاقب الهاء فلا يجتمع معها صارت لذلك كأنها حاضرة غير محذوفة، فهذا وجه.
والثانى: أن هناك همزة استفهام، فهو أشد لتسليط الفعل، ألا ترى أنك تقول: زيد ضربته فيختار الرفع، فإذا جاء همزة الاستفهام اخترت النصب البتة، فقلت: أزيدا ضربته، فنصبته بفعل مضمر يكون هذا الظاهر تفسيرا له.
فإذا قلت: أفحكم الجاهلية تبغون ولم تعد ضميرا ولا عوضت منه ما يعاقبه، وحرف الاستفهام الذى يختار معه النصب والضمير ملفوظ به موجود معك، فتكاد الحال تختلف على فساد الرفع، وبإزاء هذا أنه لو نصب فقال: كلّه لم أصنع لما كسر وزنا، فهذا يؤنسك بالرفع فى القراءة.
وإن شئت لم تجعل قوله:«يبغون» خبرا، بل تجعله صفة خبر موصوف محذوف، فكأنه قال: أفحكم الجاهلية حكم يبغونه، ثم حذف الموصوف الذى هو حكم وأقام الجملة التى هى صفته مقامه، أعنى يبغون، كما قال الله سبحانه:{مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ}، أى قوم يحرفون، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، وعليه قوله:
وما الدهر إلا تارتان فمنهما … أموت وأخرى أبتغى العيش أكدح
أى فمنهما تارة أموت فيها، فحذف تارة وأقام الجملة التى هى صفتها نائبة عنها فصار أموت فيها، ثم حذف حرف الجر فصار التقدير أموتها، ثم حذف الضمير فصارت أموت. ومثله فى الحذف من هذا الضرب بل هو أطول منه:
تروّحى يا خيرة الفسيل … تروحى أجدر أن تقيلى
أصله: ائتى مكانا أجدر بأن تقيلى فيه، فحذف الفعل الذى هو «ائتى» لدلالة