تروحى عليه، فصار مكانا أجدر بأن تقيلى فيه، ثم حذف الموصوف الذى هو مكانا فصار تقديره أجدر بأن تقيلى فيه، ثم حذف الباء أيضا تخفيفا فصار أجدر أن تقيلى فيه، ثم حذف حرف الجر فصار أجدر أن تقيليه، ثم حذف العائد المنصوب فصار أجدر أن تقيلى. ففيه إذا خمسة أعمال، وهى حذف الفعل الناصب، ثم حذف الموصوف، ثم حذف الباء، ثم حذف «فى»، ثم حذف الهاء، فتلك خمسة أعمال.
وهناك وجه سادس، وهو أن أصله ائتى مكانا أجدر بأن تقيلى فيه من غيره، كما تقول: مررت برجل أحسن من فلان، وأنت أكرم علىّ من غيرك. فإذا جاز فى الكلام توالى هذه الحذوف ولم يكن معيبا ولا مشينا ولا مستكرها كان حذف الهاء من قوله تعالى:{أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} -والمراد به حكم يبغونه-ثم حذف الموصوف وعائده-أسوغ وأسهل وأسير. وأما قوله:«أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ» فيمن قرأه كذلك فأمره ظاهر فى إعرابه، غير أن «حكما» هنا ليس مقصودا به قصد حاكم بعينه، وإنما هو بمعنى الشّياع والجنس، أى أفحكام الجاهلية يبغون؟ وجاز للمضاف أن يقع جنسا كما جاء عنهم فى الحديث من قولهم: «منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت مصر إردبها، وله نظائر.
ثم يرجع المعنى من بعد إلى أن معناه معنى:{أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}؛ لأنه ليس المراد والمبغىّ هنا نفس الحكام، فإنما المبغى نفس الحكم، فهو إذا على حذف المضاف أى أفحكم حكم الجاهلية يبغون؟ وهذا هو الأول فى المعنى، فاعرف ذلك.
***
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}(٥٢) ومن ذلك قراءة يحيى وإبراهيم: «فيرى الذين فى قلوبهم مرض». بالياء.
قال أبو الفتح: فاعل يرى مضمر دلت عليه الحال، أى فيرى رائيهم ومتأمّلهم.
والذين فى موضع نصب كقراءة الجماعة، وقد كثر إضمار الفاعل لدلالة الكلام عليه، كقولهم: إذا كان غدا فأتنى، أى إذا كان ما نحن عليه من البلاء فى غد فأتنى، وهو كثير. ودل عليه أيضا القراءة العامة، أى: فترى أنت يا محمد أو يا حاضر الحال الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فى ولاء المشركين ونصرهم.