وأين ظرف مكان، لكنها ينبغى أن تكون من لفظ «أى» لما ذكرناه من اعتبار زيادة النون فى نحو هذا.
ولأن «أيا» استفهام كما أن «أيان» استفهام، وأن «أىّ» أين كانت فهى بعض من كل، والبعض لا يخص زمانا من مكان ولا جوهرا من حدث، فحملها على «أى» أولى من حملها على أين.
وقد كنا قلنا فى أى هذه: إنها من لفظ أويت ومعناه.
أما اللفظ فلأن باب طويت وشويت أضعاف باب حييت وعييت.
وأما المعنى فلأن البعض آو إلى الكل ومتساند إليه، فهى إذا من قوله:
يأوى إلى ملط له وكلكل
يصف البعير يقول: إنه يتساند بعضه إلى بعض، فهو أقوى له، فأصلها على هذا أوى، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت فى الياء فصارت أىّ، كقولك: طويت الكتاب طيا وشويت اللحم شيّا.
ولو سميت رجلا بأيّان، فتحت الهمزة أو كسرتها، لم تصرفه معرفة لأنها كحمدان وعمران، وإن كسّرت ذلك الاسم على سرحان وسراحين وحومانة وحوامين قلت:
أوايين، فظهرت الواو التى هى عين أويت، كقولك فى تكسير ريّان أو جمعه على مثال مفاعيل: روايين، تظهر الواو التى هى عينه لزوال علة القلب عنها.
***
{كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها}(١٨٧) ومن ذلك قراءة ابن عباس: «كأنّك حفىّ بها».
قال أبو الفتح: ذهب أبو الحسن فى قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها} إلى أن تقديره يسألونك عنها كأنك حفى بها، فأخر «عن» وحذف الجار والمجرور للدلالة عليها، فهذا الذى قدره أبو الحسن قد أظهره ابن عباس، وحذف «عنها» لدلالة الحال عليها. ألا ترى أنه إذا كان حفيا بها فمن العرف وجارى عادة الاستعمال أن يسأل عنها، كما أنه إذا سئل عنها فليس ذلك إلا لحفاوته بها؟ وإذا لم يكن بها حفيا لم يكن عنها مسئولا، وكل واحد من حرفى الجر دلّ عليه ما صحبه فساغ حذفه، وهذا واضح.