للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا هنا كذاك ثمة، وقد مر بنا مما أريد غير ظاهره، فجعل كأنه هو المراد به-كثير نحو من عشرة أشياء، وفى هذا مع ما نحن عليه من الإيجاز وتنكّب الإكثار كاف بإذن الله.

***

{جَناحَ الذُّلِّ} (٢٤)

ومن ذلك قراءة ابن عباس وعروة بن الزبير فى جماعة غيرهما: «جناح الذّلّ» (١).

قال أبو الفتح: الذّلّ فى الدابة: ضد الصعوبة، والذّلّ للإنسان، وهو ضد العز. وكأنهم اختاروا للفصل بينهما الضمة للإنسان والكسرة للدابة؛ لأن ما يلحق الإنسان أكبر قدرا مما يلحق الدابة، واختاروا الضمة لقوتها للإنسان، والكسرة لضعفها للدابة. ولا تستنكر مثل هذا ولا تنب عنه؛ فإن من عرف أنس، ومن جهل استوحش. وقد مر بنا من هذا ما لا يحصى كثرة.

من ذلك قولهم: حلا الشئ فى فمى يحلو، وحلى بعينى، فاختاروا البناء للفعل على فعل فيما كان لحاسّة الذوق؛ لتظهر فيه الواو، وعلى فعل فى حلى يحلى لتظهر الياء والألف، وهما خفيفتان ضعيفتان إلى الواو؛ لأن لو كان حس لكان أشبه حصّة الناظر أضعف من حسّ الذوق بالفم. وقالوا أيضا: جمام المكّوك دقيقا وجمام القدح ماء؛ وذلك لأن الماء لا يصح أن يعلو على رأس القدح كما يعلو الدقيق ونحوه على رأس المكّوك، فجعلوا الضمة لقوتها فيما يكثر حجمه، والكسرة لضعفها فيما يقلّ بل يعدم ارتفاعه.

وقالوا: النضح بالحاء غير معجمة للماء السخيف يخف أثره، وقالوا: النضخ بالخاء لما يقوى أثره فيبلّ الثوب ونحوه بللا ظاهرا؛ وذلك لأن الخاء أوفى صوتا من الحاء. ألا ترى إلى غلظ الخاء ورقة الحاء؟ وقد ثبت فى كتاب الخصائص (٢) من هذا الضرب ونحوه وما جرى مجراه وأحاط به شئ كثير. وقد قال شاعرنا (٣):


(١) وقراءة عاصم، وسعيد بن جبير، والجحدرى، وابن وثاب. انظر: (القرطبى ٢٤٤/ ١٠، الكشاف ٤٤٥/ ٢، الفراء ١٢٢/ ٢، البحر المحيط ٢٨/ ٦، الطبرى ٤٩/ ١٥، التبيان ٤٦٧/ ٦، مجمع البيان ٤٠٨/ ٦).
(٢) انظر: (الخصائص ١٥٩/ ٢ وما بعدها).
(٣) أى المتنبى من قصيدته التى مطلعها: إذا غامرت فى شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم انظر: (ديوانه ٢٤٥/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>