للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صحراء وبطحاء ونحوهما: صحراوان وبطحاوان وصحراوات وبطحاوات؟ شبهت الهمزة بالواو؛ لأن كل واحدة منهما طارفة فى جهتها؛ فجعل تناهيهما فى البعد طريقا إلى تلاقيهما فى الحكم.

وبعد فالعرب تجرى الشئ مجرى نقيضه، كما تجريه مجرى نظيره. ألا تراها قالت: طويل كما قالت: قصير، وشبعان كجوعان، وكرم كلؤم، وعلم كجهل؟ ولأجل هذا قال بعضهم: إنّ قوى فعل فى الأصل حملا على نظيره الذى هو ضعف، وفى هذا كاف من غيره. ونحو من معناه قول المنجّمين فى النحسين إذا تقابلا: استحالا سعدا، وعليه قول الناس: عداوة أربعين سنة مودّة. والمعانى فى هذا العالم متلاقية على تفاوتها، ومجتمعة مع ظاهر تفرقها، لكنها محتاجة إلى طبّ بها وملاطف لها.

***

{فَإِمّا تَرَيِنَّ} (٢٦)

ومن ذلك قراءة طلحة: «فإمّا ترين» (١).

وروى عن أبى عمرو: «ترئنّ»، بالهمز (٢).

قال أبو الفتح: الهمز هنا ضعيف؛ وذلك لأن الياء مفتوح ما قبلها، والكسرة فيها لالتقاء الساكنين؛ فليست محتسبة أصلا، ولا يكثر مستثقله، وعليه قراءة الجماعة: {تَرَيِنَّ،} بالياء لما ذكرنا. غير أن الكوفيين قد حكوا الهمز فى نحو هذا، وأنشدوا:

كمشترئ بالحمد أحمرة بترا (٣)

نعم، وقد حكى الهمز فى الواو التى هى نظيرة الياء فى قول الله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ} (٤)، فشبّه الياء لكونها ضميرا وعلم تأنيث بالواو، من حيث كانت ضميرا وعلم تذكير. وهذا تعذّر ما وليس قويا، ولا ترينّ هذه الهمزة هى همزة رأيت، تلك قد


(١) وقراءة أبى جعفر، وشيبة. انظر: (الكشاف ٥٠٧/ ٢، مغنى اللبيب ٢٢/ ٢،٢٣، البحر المحيط ١٨٥/ ٦، مجمع البيان ٥٠٨/ ٦).
(٢) فى رواية ابن الدومى عنه. انظر: (مختصر شواذ القراءات ٨٤، البحر المحيط،٢٨٥/ ٦، الكشاف ٥٠٧/ ٢، الآلوسى ٨٦/ ١٦).
(٣) فى شواهد الشافية ٤٠٩/ ٤: «كمشترى بالخيل أحمرة بترا». والبتر: جمع أبتر، وهو المقطوع الذنب.
(٤) سورة آل عمران الآية (١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>