للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ} (٥٠)

ومن ذلك قراءة الجحدرىّ وابن السميفع وأبى حيوة: «أثر رحمة الله» (١) «كيف تحيى» (٢).

قال أبو الفتح: ذهب بالتأنيث إلى لفظ «الرحمة» ولا تقول على هذا: أما ترى إلى غلام هند كيف تضرب زيدا؟ بالتاء وفرّق بينهما أن الرحمة قد يقوم مقامها أثرها، فإذا ذكرت أثرها فكأن الغرض فى ذلك إنما هو هى. تقول: رأيت عليك النعمة، ورأيت عليك أثر النعمة، ولا يعبر عن هند بغلامها.

ألا ترى أنك لا تقول رأيت غلام هند وأنت تعنى أنك رأيتها؟ وأثر النعمة كأنه هو النعمة، وقوله: «كيف تحيى» جملة منصوبة الموضع على الحال، حملا على المعنى لا على اللفظ؛ وذلك أن اللفظ استفهام، والحال ضرب من الخبر، والاستفهام والخبر معنيان متدافعان. وتلخيص كونها حالا أنه كأنه قال: فانظر إلى أثر رحمة الله محيية للأرض بعد موتها، كما أن قوله:

ما زلت أسعى معهم وأختبط … حتّى إذا جاء الظّلام المختلط

جاءوا بضيح هل رأيت الذّيب قط؟

فقوله: هل رأيت الذيب قط جملة استفهامية، إلا أنها فى موضع وصف «الضيح» حملا على معناها دون لفظها؛ لأن الصفة ضرب من الخبر، فكأنه قال: جاءوا بضيح يشبه لونه لون الذئب، والضيح: هو اللبن المخلوط بالماء، فهو يضرب إلى الخضرة والطّلسة، وعليه قول الآخر:

إلى الله أشكو بالمدينة حاجة … وبالشّام أخرى كيف تلتقيان؟

فقوله: كيف تلتقيان جملة فى موضع نصب بدلا من «حاجة» وحاجة، فكأنه قال: إلى الله أشكو هاتين الحالتين تعذّر التقائهما. هذا أحسن من أن تقتطع قوله: كيف


(١) وقراءة ابن كثير، ونافع، وأبى عمرو، وعاصم، وشعبة، وأبى جعفر، ويعقوب. انظر: (الفراء ٣٢٦/ ٢، الإتحاف ٣٤٩، الطبرى ٣٥/ ٢١، القرطبى ٤٥/ ١٤، السبعة ٥٠٨، النشر ٣٤٥/ ٢، الكشاف ٢٢٦/ ٣، غيث النفع ٣٢١، التيسير ١٧٥، تحبير التيسير ١٥٧، التبيان ٢٣٤/ ٨، العنوان ١٤٦، البحر المحيط ١٧٩/ ٧، العكبرى ١٠١/ ٢، الحجة المنسوب لابن خالوبه ٢٨٣، الحجة لأبى زرعة ٥٦١).
(٢) انظر: (القرطبى ٤٥/ ١٤، الكشاف ٢٢٦/ ٣، العكبرى ١٠١/ ٢، مجمع البيان ٣٠٨/ ٨، البحر المحيط ١٧٩/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>