للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا ارتجل قوله: خذ، لم يسرع المعارضة له فى أمره إياه؛ لاستبهام معنى موجب الأخذ، كما قد تقع المعارضة إذا ذكر العلة فى ذلك. فإن قلت: فقد يجوز أن يعارض أمره بالأخذ مرسلا، كما قد يعارضه معلّلا. ألا تراه قد يقول له: اذكر لى علة الأخذ لأرى فيه رأيى فيتوقف عن الأخذ إلى أن يعرف علة الأمر له بذلك؟ قيل على كل حال الأمر المحتوم به على حالاته أثبت فى النفس من المعلّل بما يجوز أن يعارض. وإذا راجعت نظرك وأعملت فكرتك وجدت الحال فيه على ما ذكرت لك؛ فلذلك كان قوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ} أقوى معنى.

***

{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ} (٦٦)

ومن ذلك قراءة عيسى بن عمر الكوفىّ: «يوم تقلّب وجوههم» (١)، نصب.

قال أبو الفتح: الفاعل فى «تقلّب» ضمير السعير المقدم الذكر فى قوله: {إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً،} ثم قال: {يَوْمَ تُقَلَّبُ،} أى: تقلّب السعير وجوههم فى النار، فنسب الفعل إلى النار، وإن كان المقلّب هو الله سبحانه، بدلالة قراءة أبى حيوة: «يوم نقلّب وجوههم» (٢)؛ لأنه إذا كان التقليب فيها جاز أن ينسب الفعل إليها للملابسة التى بينهما، كما قال الله: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ} (٣)، فنسب المكر إليهما لوقوعه فيهما، وعليه قول رؤبة (٤):

فنام ليلى وتجلّى همّى

أى: نمت فى ليلى، وعليه نفى جرير الفعل الواقع فيه عنه فقال (٥):

لقد لمتنا يا أمّ غيلان فى السّرى … ونمت وما ليل المطىّ بنائم (٦)

&


(١) انظر: (القرطبى ٢٤٩/ ١٤، مجمع البيان ٣٧١/ ٨، الكشاف ٢٧٥/ ٣، البحر المحيط ٢٥٢/ ٧).
(٢) وقراءة خارجة بن عيسى البصرى. انظر: (الفراء ٣٥٠/ ٢، القرطبى ٢٤٩/ ٢، البحر المحيط ٢٥٢/ ٧، الكشاف ١٨٤/ ٢).
(٣) سورة سبأ الآية (٣٣).
(٤) انظر: (ديوانه ١٤٢).
(٥) انظر: (ديوانه ٥٥٤، الكتاب ١٦٠/ ١، خزانة الأدب ٢٢٣/ ١، أمالى ابن الشجرى ٣٦/ ١، ٣٠١، الإنصاف ١٥١، الكامل ٧٠٠).
(٦) أم غيلان: هى بنت جرير. والسرى: سير الليل، والمطى: جمع مطية، وهى الراحلة يمتطى ظهرها، أى: يركب. وأراد ليل ركاب المطى. يقول: دعى عنك اللوم، فنحن لما نرجو من غب السرى لا نصغى إلى لومك وعذلك. والشاهد فيه وصف الليل بالنوم اتساعا ومجازا.

<<  <  ج: ص:  >  >>