وقد سمى اللَّه الكعبة، البيت الحرام، ونسبها إلى نفسه، فقال:
(جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ) .
وقال: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) .
البيت بيت الله، والحمى حماه، فأي عجب أن يحمى منه من جعل الإله جسما
يتمشى ويتنزه ويصارعه إسرائيل، أو جعله إنسانا يأكل ويشرب.
ثم يقضي حاجة الطعام والشراب.
ثم يضرب ويبصق في وجهه. . . ألا فليؤمن المعترض بالله على
وجه الإيمان الصحيح ومرحبا به في بيت اللَّه وحرمه!
لقد رأيت بعيني حرس الفاتيكان يمنعون المتبرجات المبالغات في التبرج.
من دخوله، ورأيت الجنود، عند بابه الرئيسي يمنعون امرأة ورفيقها، كانت عارية الذراعين، ولم تشفع لها مسيحيتها، ولا محاورة رفيقها، والجندي الحارس يشير له إلى ذراعيها.
وعندي أنه تصرف حسن، لما يجب من احترام (حرم الأديان) ، ومعتقداتها، هذا أدب إسلامي، إذ أمرنا أن نترك غيرنا وما يدينون به.
وقد ذكر أبو الوليد الأزرقي في (أخبار مكة) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح لما دخل الكعبة أمر بمحو كل الصور إلا ما
تحت يده، فلما رفعها كان ما تحتها صورة عيسى ابن مريم وأمه!!
فإذا منع الإسلام غير المسلم من حرم الإسلام، فما فعل بدعا، وما شرع منكرا.
١٠ - إن منع غير المسلم من حرم الإسلام ليس مجرد منع فرد أو أفراد، إنما هو منع لاختلاط منهجين مختلفين في نظرتهما للكون والحياة والإنسان.
نظرة تبدأ من الاعتقاد إلى أيسر السلوك الإنساني، نظرة أيد الواقع التاريخي لمعركة الإسلام مع الشرك أنهما ضدان لا يجتمعان، ثم أيد هذا الواقع الوقائع التالية عندما ثبتت دعائم الإسلام وخافه جيرانه من النفوس والروم.
وقائع تؤكد أن هذا التعارض ليس فلتة عارضة من فلتات الطبع، وإنما كان تعارضا حقيقيا اقتضته طبيعة اختلاف الرؤيتين.
إنه واقع ينطق بحق الإسلام في محو الشرك من جزيرة العرب، واعتبارها
كلها مركز أمة الإسلام، فلا عجب أن يطهرها من الشرك.