الطبع والسليقة. فما للأعاجم وبلاغةَ القرآن وما للحدادين وصوغَ اللآلئ؟ كان العربي غير المسلم يسمع القرآن فيخر ساجدا، ويقول:
إنما سجدت لبلاغته!!
حدثني نصراني قبطي فقال: عندما أسمع القرآن الكريم يأخذ بمجامع قلبي؟
والعجب مما حدثتني به سيدة إيطالية لا تعرف كلمة واحدة من اللغة العربية.
قالت: عندما أقرأ القرآن يأخذ بقلبي، عقب الحرب العالمية الثانية، وعودة الجنود البريطانيين سألت إحدى المجلات بعض الجنود عن أعجب ما شاهده في الشرق، وكان له أشد جاذبية؟
فجاء جوابه: صوت قارئ القرآن!!
إن الذين لا يتذوقون فقه اللغة وسر العربية يعيبون القرآن بما هو من سر العربية.
سأل سائل قليل الفقه في أسرار البلاغة، عالما بالعربية.
قال: هل يقال: (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ)
فأجابه: ويحك؟ هب أنك تتهم محمدًا في نبوته، فهل تتهمه بأنه لم يكن عربيا؟ !!
* * *
[٦ - من خصائص أسلوب القرآن]
أ - أنه إذا ذكر الشيء قرنه بمقابله، وإذا ذكر حال الكافرين ذكر حال المؤمنين، وإذا ذكر جزاء المؤمنين ذكر جزاء الكافرين، وهكذا.
وهي خاصة تتفق وحقيقة من حقائق علم النفس، إذ ينتقل الذهن من الشيء إلى ما يشبهه وإلى ما يقابله.
وبهذا يتمكن القول ومعناه من النفس فضل تمكن.
فإذا رأى هذه المقابلات من لا يفقه سر القرآن ولا سر النفس ظن هذا انتقالا إلى غير المناسب، وحَسِبه - مثلكم - قفزا من موضوع إلى موضوع، وأنه انتقال إلى غير معهود في كلام البشر.
هذا، وقد عد شارح لامية العجم والعرب من وجوه البلاغة، التي لا يقدر عليها إلا الأفذاذ من البلغاء والشعراء براعة الانتقال من فكرة إلى أخرى.
والذي ينتقد القرآن بعدم وحدة الموضوع نقده غريب، على مقياس أشد غرابة، كأنما القرآن الإلهي، ليكون مقبولا عند هؤلاء، لا بد أن يكون على نسق كلام البشر!!
فاعجب لمن يطلب من الإلهي أن يكون بشريا!!